صحافة إسرائيلية

معاريف: أي اتفاق أمني مع دمشق قد يقيد "إسرائيل" عسكريا دون مقابل حقيقي

الاتفاق الأمني مع سوريا.. إسرائيل تواجه خطأ تاريخيا مرة أخرى - سانا
الاتفاق الأمني مع سوريا.. إسرائيل تواجه خطأ تاريخيا مرة أخرى - سانا
قالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن الحديث المتجدد عن اتفاقية أمنية محتملة بين إسرائيل وسوريا يعكس تحولات لافتة في المشهد الإقليمي، لكنه يطرح في الوقت نفسه تساؤلات عميقة حول جدوى مثل هذا الاتفاق في ظل توازنات القوة الحالية، وطبيعة النظام السوري الجديد المدعوم من تركيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتفاقيات الدولية المكتوبة عادة ما تحدد القواعد المنظمة للعلاقات بين الدول، وتفرض قيودا على استخدام القوة العسكرية، في مقابل فتح مسارات للتعاون المدني الذي يتيح فرصا سياسية واقتصادية جديدة.

لكن، وفق “معاريف”، فإن الاتفاقية الأمنية المقترحة بين تل أبيب ودمشق تبدو حتى اللحظة خالية من البعد المدني أو الاقتصادي، ما يجعلها أقرب إلى قيد رسمي جديد على حرية العمل العسكري الإسرائيلي، دون أن تقدم مقابلا واضحا للدولة العبرية.

"لقاء مغلق بلا رمزية دبلوماسية"
وفي سياق متصل، تناولت الصحيفة زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة ولقاءه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، ووصفتها بأنها زيارة رمزية أكثر منها دبلوماسية.

وأوضحت أن الاجتماع لم يعقد في القاعة الرئيسية ولم ترافقه مراسم استقبال رسمية أو بث مباشر، إذ دخل الشرع من مدخل جانبي دون سجادة حمراء، ما يعكس – بحسب “معاريف” – حذر واشنطن في التعامل مع الرجل الذي كان حتى وقت قريب خصمها وعدوها اللدود.

وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة ترى في سوريا محورا جغرافيا ومفاهيميا أساسيا في البنية الإقليمية الجديدة التي تسعى لتشكيلها في الشرق الأوسط، لكنها في الوقت ذاته لا تخفي قلقها من ماضي الشرع وصلاته القديمة بالجماعات الجهادية.

فالرجل، الذي كان قياديا سابقا في تنظيم القاعدة بالعراق قبل أن يعتقل في السجون الأمريكية، بات اليوم يقدم كـ"خبير استراتيجي متمرس"، إلا أن نواياه الحقيقية تبقى غامضة، خاصة مع استمرار الفصائل الموالية له في ارتكاب انتهاكات ضد الأقليات في سوريا تحت شعارات دينية متطرفة. وفق معاريف.

وذكرت "معاريف" أن الإدارة الأمريكية تحاول حاليا اتباع نهج مزدوج في التعامل مع الشرع، يقوم على تقريبه من جهة، وكشف طبيعته الحقيقية من جهة أخرى.

وتابعت أن نشر صور له وهو يلعب كرة السلة مع قادة في القيادة المركزية الأمريكية – الذين كانوا خصومه في الميدان سابقا – يعكس محاولة أمريكية متعمدة لتليين صورته وتقديمه كشريك محتمل للغرب.

اظهار أخبار متعلقة


دمشق تسعى لتبييض صورتها
ورأت الصحيفة أن دمشق تسعى اليوم إلى “تبييض صورة النظام” من خلال اكتساب شرعية دولية تمكنها من إعادة الإعمار ورفع العقوبات، وهو ما يتطلب بالضرورة الانفتاح على واشنطن وتل أبيب.

لكن “معاريف” أكدت أن تل أبيب ما تزال العقبة الأساسية أمام هذا المسار، إذ ترفض منح النظام الجديد أي اعتراف أمريكي شامل، خاصة في ظل تبعيته العسكرية والسياسية لتركيا، الحليف الوثيق لقطر وجماعة الإخوان المسلمين.

وبحسب الصحيفة، فإن النقاش الدائر في الأوساط الإسرائيلية يتمحور اليوم حول سؤال جوهري: هل تمثل الاتفاقية الأمنية المقترحة مع سوريا خطوة استراتيجية نحو الاستقرار، أم فخا سياسيا قد يقيد تل أبيب دون مقابل؟

ففي الوقت الذي تتمتع فيه تل أبيب بحرية كاملة في تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية، فإن توقيع اتفاق أمني رسمي سيلزمها بقيود عملياتية تحد من مرونتها الميدانية، بينما يستفيد النظام السوري من شرعية دولية واعتراف أمريكي جزئي.

وذكرت "معاريف" بأن التاريخ القريب قدم أمثلة مشابهة، منها الضغط الأمريكي على إسرائيل لإجراء انتخابات فلسطينية عام 2006 التي انتهت بفوز حركة حماس، إضافة إلى الاتفاق الأمني مع لبنان الذي تجاهل البعد الاقتصادي لحزب الله، مما جعله يؤجل الصراع بدلا من حله.

سوريا.. كيان مجزأ لا دولة موحدة
وأكدت الصحيفة أن سوريا بعد الحرب لم تعد دولة موحدة، بل فسيفساء من الطوائف والمجموعات العرقية – سنية ودرزية وكردية ومسيحية – تحكم جزئيا عبر تحالفات مسلحة ذات طابع ديني متشدد.

وأضافت أن معظم قوات الأمن السورية الحالية تتكون من أعضاء هيئة تحرير الشام وفصائل إسلامية قاتلت نظام الأسد سابقا، وتشترك جميعها في عقيدة جهادية معادية لغير المسلمين، بمن فيهم الإسرائيليون.

كما لفتت إلى أن تركيا أصبحت الراعي الفعلي للنظام الجديد في دمشق، بعد توقيع اتفاقيات دفاع مشترك، وتزويده بأنظمة أسلحة وتدريب عسكري، في إطار سياسة تركية تهدف إلى توسيع نفوذها الإقليمي عبر سوريا وقطر.

اظهار أخبار متعلقة


إسرائيل أمام مفترق طرق
واختتمت “معاريف” تحليلها بالتأكيد على أن تل أبيب تمتلك اليوم نفوذا استراتيجيا استثنائيا، إذ تعد “ختم الشرعية” الذي تحتاجه دمشق لتطبيع علاقاتها الدولية.

وترى الصحيفة أن هذا النفوذ يمثل فرصة نادرة لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، شريطة أن يتضمن أي اتفاق مقبل أبعادا مدنية وتطبيعية، لا أن يقتصر على الجانب الأمني فقط.

وحذرت “معاريف” من أن اتفاقا أمنيا مجردا، دون تطبيع أو انضمام سوري لاتفاقيات إبراهيم، قد يقوض الردع الإسرائيلي ويمنح شرعية ضمنية للتيارات الجهادية، فيما يبقي الشرق الأوسط رهينة لحدود سايكس-بيكو القديمة.

وختمت بالقول: “قبل التوقيع على أي اتفاق، ينبغي لإسرائيل أن تعيد حساباتها جيدا، وأن تسأل: هل ستجني من الاتفاقية الأمنية استقرارا استراتيجيا، أم أنها ستجد نفسها في فخ سياسي جديد صمم بعناية في واشنطن ودمشق؟”.
التعليقات (0)