مقالات مختارة

يهودُ نيويورك يصوِّتون للمسلم ممداني!

حسين لقرع
صفحته الرسمية
صفحته الرسمية
أثار فوزُ المرشح المسلم زهران ممداني، بمنصب عمدة نيويورك في الانتخابات المحلية الأخيرة بالولايات المتحدة الأمريكية، ضجَّة واسعة لم تهدأ إلى حدّ الساعة؛ ليس بسبب ديانة الرجل، فقد سبقه المسلم الصادق خان إلى منصب عميد لندن قبل سنوات من دون أن يثير ضجَّة مماثلة، وليس بسبب قناعاته اليسارية التي لا تروق لكبار الرأسماليين الأمريكيين وفي مقدّمتهم الرئيس دونالد ترامب وإيلون ماسك، بل لأنّ زهران تمرّد ببساطة على اللوبي الصهيوني، ومن دون تردُّد أو خوف على مصيره السياسي، وندّد علنًا بمجازر الاحتلال في غزة، وذهب إلى أبعد من ذلك حينما تعهّد باعتقال مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إذا دخل نيويورك مستقبلا للمشاركة في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا استجابة لمذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن المحكمة الجنائية بلاهاي!

قبل أن يفوز ممداني بعمادة بلدية نيويورك، لم يجرؤ أيُّ سياسيٍّ أمريكي منذ قيام الكيان الصهيوني في 1948 إلى اليوم، على إدانة جرائمه أو نقد سياساته، وكان المرشَّحون جميعا، سواء للانتخابات المحلية أو التشريعية أو الرئاسية، يتسابقون على تنميق خطابات المدح والمجاملات والنفاق وتقديم الولاء المطلق للكيان بغية كسب ودّ اللوبي الصهيوني في أمريكا باعتباره شرطا ضروريًّا لا غنى عنه لأيِّ مرشح يريد الفوز في أيِّ انتخابات، وكان أيُّ نقدٍ للكيان، مهما كان بسيطًا أو موضوعيًّا ووجيهًا، ممنوعًا منعًا باتًّا، لأنّه يعني ببساطة خسارة الانتخابات حتما وكذا تشويه صورته والقضاء النهائي على مساره السياسي.

أمّا اليوم، فقد بدأت الهيمنة المطلقة للوبي الصهيوني على الانتخابات الأمريكية تتراجع تدريجيًّا حتى تلاشت في مدينة نيويورك قبل أيام، وهذا كلّه من بركات غزوة “طوفان الأقصى” المباركة، التي بقدر ما عرّت المتخاذلين والمتصهينين بيننا، والحكّام الغربيين المتواطئين ذوي المعايير المزدوجة، فقد عرّت أيضا الوجه الإجرامي النازي والوحشي للاحتلال الصهيوني الذي طالما تشدّق بأنه “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بعد أن ارتكب مجازرَ مهولة بحقّ الأطفال والنساء في غزة، ودمّرها عن بكرة أبيها، وحاول تهجير سكانها، ومارس عليهم تجويعا جهنميا…

وقد أثّرت الصورُ القادمة من هناك أيما تأثير في الجيل الجديد من الأمريكيين، ودفعتهم إلى الخروج في مظاهرات في شتى المدن الأمريكية طيلة سنتين كاملتين من الحرب، قبل أن يصوّت سكانُ نيويورك لصالح المرشح الديمقراطي المسلم ذي الأصول الهندية زهران ممداني الذي أدان علنًا جرائم الاحتلال في غزة، من دون أيّ اكتراث بضغوط اللوبي الصهيوني في أمريكا والذي حاول جاهدا تشويه صورته خلال الحملة الانتخابية واتِّهامه بـ”معاداة السامية” لدفع سكان نيويورك إلى معاقبته والعزوف عن منحه أصواتَهم.
زلزالٌ سياسي كبير في أمريكا دمّر السردية الصهيونية الزائفة في نيويورك

الانتصارُ المدوّي لممداني دقّ أجراس الخطر في الكيان؛ فلأول مرة يجرؤ مرشحٌ أمريكيٌّ على نقد مذابحه في فلسطين المحتلة ثم يفوز بالانتخابات! إنّه زلزالٌ سياسي كبير في أمريكا دمّر السردية الصهيونية الزائفة في نيويورك، وغدًا قد يدمِّرها في مدن أمريكية أخرى وحتى في الكونغرس والبيت الأبيض كما قال جلعاد أرادان، السفيرُ الصهيوني الأسبق في واشنطن، ويُضعف النفوذ الصهيوني بعد قرابة ثمانية عقود من الهيمنة المطلقة على أمريكا. وحينما تُنسَف السَّرديةُ الصهيونية فإنّ ذلك يعني، بالنتيجة، انتصار السَّردية الفلسطينية، ولاسيما لدى الأجيال الأمريكية الجديدة التي أضحت لا تؤمن بما تردِّده وسائلُ الإعلام الأمريكية المتصهينة، وتقابل تهمة “معاداة السامية” بالسُّخرية والتنكيت، وتخرج في المظاهرات لتردِّد “فلسطين حرّة”.

أكثر ما حزَّ في نفوس القادة الصهاينة الذين أعلنوا الحداد إثر فوز ممداني، أنّ 33 بالمائة من يهود نيويورك، قد صوّتوا لصالح المسلم ممداني، وهذه ليست نسبة بسيطة، علما أنّ عدد يهود المدينة يبلغ 950 ألف نسمة، وهم يشكِّلون أكبر تجمُّع لليهود في العالم بعد فلسطين المحتلّة، وفي هذا دلالةٌ أكيدة أيضا على مدى تهاوي السَّردية الصهيونية التي استندت إلى ما قامت به المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023 لتبرير ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب مروِّعة وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء في مجازر مهولة.. لكنّ كلّ التبريرات المقدَّمة فشلت حتى في إقناع يهود نيويورك بوجاهتها، فما بالكم بالجيل الجديد من الأمريكيين!

لا أحد ينتظر أن يفعل ممداني شيئا لفلسطين، وقد لا يتمكّن من اعتقال نتنياهو ما دام ترامب يحميه ويوفّر له الحصانة من العدالة الدولية، لكنّ تكفي هذه الهزيمة السِّياسية المدوِّية للكيان وللإدارة الأمريكية المؤيِّدة له، فهي تعبِّر بوضوح عن بداية تغيُّر الرأي العامِّ الأمريكي تجاه الاحتلال ورفض سياساته العنصرية وأعمال الإبادة الوحشية التي يرتكبها.. هناك جيلٌ أمريكي جديد يقوده الشباب بدأ يثور على السياسات الأمريكية الحالية الداعمة لهذا الكيان الفاشي.. هذا الجيل هو الذي سيحكم الولايات المتحدة مستقبلا، وهذا ما يؤرِّق الاحتلال بشدَّة.

الشروق الجزائرية
التعليقات (0)

خبر عاجل