في مقابلة مع «أكسيوس» يوم الرابع من أكتوبر 2025، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن أحد الأهداف الرئيسية لخطته بشأن 
غزة هو استعادة مكانة إسرائيل الدولية. وقال ترامب: «لقد ذهب بيبي بعيدا جدا، وخسرت إسرائيل الكثير من الدعم العالمي. والآن سأستعيد كل هذا الدعم».
من الواضح أن ترامب كان ينوي من خلال خطته للسلام المزعوم طي صفحة جرائم إسرائيل – وتواطؤ 
الولايات المتحدة معها – وتدشين مرحلة جديدة قائمة على التعايش مع 
الاحتلال في الضفة الغربية خاصة، وإعادة تأهيل إسرائيل دبلوماسيا وتوسيع اتفاقيات السلام الإبراهيمية. ومع ذلك، حتى قبل أن تُدين محكمة العدل الدولية سياسة التجويع الإسرائيلية، كان الناس في جميع أنحاء العالم يحشدون قواهم، ويحثون حكوماتهم على عدم ترك إسرائيل تفلت من العقاب.
قد يتساءل أي إنسان لماذا يسعى ترامب لإنقاذ إسرائيل من الوحل التي غرقت فيه؟ لماذا تهرع الولايات المتحدة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها، التي لا تستطيع الخروج منها؟ السبب بسيط لأن الولايات المتحدة شريكة في الجريمة. ففي القانون الدولي من ساعد مجرم الحرب على ارتكاب جريمته، يصبح بشكل آلي شريكا في الجريمة، حيث ينص البند الثالث من «المعاهدة الدولية لمنع جريمة 
الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» على ما يلي:
يعاقب (كل من يرتكب) الأفعال التالية:
أ) الإبادة الجماعية،
ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية،
ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية،
د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية،
هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية
فالولايات المتحدة ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية بتمكين إسرائيل بالسلاح والمال والذخائر، والمعلومات وأجهزة التنصت وأنظمة الدفاع الجوية، والذخائر الذكية وقنابل متنوعة ومتقدمة وذخائر لاختراق التحصينات تحت الأرض. ولا ننسى خدعة الميناء العائم الذي استخدم لتصيد الفلسطينيين وأدى إلى مجزرة زاد عدد ضحاياها عن 300 شهيد. أضف إلى كل ذلك تقديم مساعدات مالية لإسرائيل زادت عن 27 مليار دولار. أما في المجال الدبلوماسي فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيتو ست مرات لتحمي الكيان من المساءلة من جهة، وإعطائها كل الوقت اللازم للاستمرار في المذبحة، حتى تحقيق الأهداف المعلنة للحرب. 
ولم يحاول الرئيس بايدن ومن بعده الرئيس ترامب التنصل من دور الشريك في الحرب. فقد شارك بايدن في اجتماعات مجلس الحرب، وكأنه ضابط في قيادة الأركان الإسرائيلية وفتح مخازن الأسلحة والذخائر على غواربها لتشحن كل أنواع معدات الموت والدمار. أما ترامب فزاد عليه كثيرا، حيث سمح للقذائف الثقيلة من وزن 2000 رطل أن تصل إلى إسرائيل، بعد أن كان بايدن قد منع تسليمها لقوتها التدميرية. كما تفاخر ترامب في خطابه أمام الكنيست يوم 13 أكتوبر بأنواع الأسلحة الفتاكة، التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل وأحسنوا استخدامها.
إذن الولايات المتحدة متورطة في الجريمة، لذا أصبح من مصلحة الولايات المتحدة أن تخلق حالة من الفوضى والضجيج والغبار والهرج والمرج، حتى تضيع القضايا الأساسية في وسط الزحام. فخطة ترامب للسلام والمكونة من عشرين نقطة لم تقدم للفلسطينيين إلا مسألة وقف المجازر، إلا أنها لا تتوقف، وأكبر دليل مذبحة يوم الثلاثاء التي ذهب ضحيتها 106 مواطنين منهم 46 طفلا و20 امرأة. 
ولم يتوقف القتل يوما واحدا. أما في الضفة الغربية فالحرب متواصلة بلا هوادة، يشارك فيها الجيش وقوى الأمن والمستوطنون. أما المساعدات الإنسانية التي من المفروض حسب الخطة أن تعود لمستوى وقف إطلاق النار السابق أي 600 شاحنة يوميا. هذا العدد لم يتحقق ولو ليوم واحد.. وأما الشرط الثالث فهو فتح المعابر جميعها، وهذا لم يتحقق أيضا، وما زال معظم المعابر مغلقة وأهمها معبر رفح حيث تتكدس مئات الأطنان من المواد الغذائية والطبية والمعدات اللازمة لرفع الركام.
إسرائيل ما زالت تحتل 53 في المئة من القطاع، وتمارس القتل بشكل يومي وتراجعت عن الإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، من حيث العدد ومن حيث المواقع القيادية مثل مروان البرغوثي، لكن العالم بقيادة ترامب، لم يتحدث عن انتهاكات إسرائيل، بل عما سموها انتهكات حماس والفصائل الفلسطينية لعدم تسليم جميع الجثث خلال 72 ساعة، وهو طلب يعرف الجميع استحالته، بسبب الدمار الشامل في كل القطاع وبعض المباني المهدمة التي قد تضم رفات جنود والتي تحتاج إلى آلات ثقيلة لإزاحة الركام والبحث تحته.
في 20 أكتوبر أصدرت فرانشيسكا ألبانيز المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تقريرا جديدا بعنوان «إبادة غزة: جريمة جماعية». وجاء في التقرير: «إن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة جريمة جماعية، يدعمها تواطؤ دول ثالثة مؤثرة، ساهمت في تمكين إسرائيل من ارتكاب انتهاكات منهجية طويلة الأمد للقانون الدولي.
وقد سهّل الدعم المباشر لهذه الفظائع، المُؤطرة بروايات استعمارية تُجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، هذه الفظائع المُبثّة مباشرةً، من خلال الدعم المباشر من الدول الثالثة، والمساعدات المادية، والحماية الدبلوماسية، وفي بعض الحالات، المشاركة الفعالة. وقد كشفت عن فجوة غير مسبوقة بين الشعوب وحكوماتها، وخانت الثقة التي يقوم عليها السلام والأمن العالميان. يقف العالم الآن على حافة الهاوية بين انهيار سيادة القانون الدولي والأمل في التجديد. ولا سبيل إلى التجديد إلا بمواجهة التواطؤ، والوفاء بالمسؤوليات، وإحقاق العدالة». وجاء في التقرير أن 90 في المئة من شحنات الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، جاءت من بلدين هما الولايات المتحدة وألمانيا.
لا شك أن القانون الدولي واضح في موضوع تورط الولايات المتحدة في حرب الإبادة. إذن أفضل وسائل الدفاع هو الهجوم، لذا قام ترامب الذي يدعي أنه أوقف 8 حروب، بتقديم مشروع غامض يبقي 53 في المئة من قطاع غزة مع إسرائيل، ولا يلزمها بشيء في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني خاصة حقه في الحرية والاستقلال وبناء دولته الوطنية المستقلة ذات السيادة وإعادة اللاجئين إلى مواطنهم الأصلية. لقد وقّع أكثر من 400 دبلوماسي ومسؤول كبير سابق، بيانا يُطالب الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات حازمة «ضد المُفسدين والمتطرفين» الذين يُهددون «إقامة دولة فلسطينية مستقبلية»، مُشيرين إلى أن خطة ترامب لم تُعالج هذا الهدف إلا بشكل مُبهم.
ونصح محامون دوليون قادة الاتحاد الأوروبي بضرورة امتثال سياسة الاتحاد الأوروبي لحكم محكمة العدل الدولية لعام 2024 القاضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وضرورة إنهائه في أسرع وقت ممكن». فهل تجبر هذه القوى المتعاظمة رسميا وشعبيا الكيان الصهيوني على التراجع وخفض الصوت والتسليم بالأمر الواقع ثم إنهاء كيان الفصل العنصري البغيض بأسرع وقت ممكن.
القدس العربي