سياسة عربية

خبير لـ"عربي21": الاعتراف بدولة فلسطينية خطوة سياسية غير جوهرية في توازن الصراع

يرى محللون أن الاعتراف بدولة فلسطين خطوات رمزية وغير جوهرية لغياب أي إجراءات رادعة ضد الاحتلال- الأناضول
يرى محللون أن الاعتراف بدولة فلسطين خطوات رمزية وغير جوهرية لغياب أي إجراءات رادعة ضد الاحتلال- الأناضول
توالت اعترافات الدول الغربية بالدولة الفلسطينية كان آخرها اعتراف كل من (فرنسا بريطانيا كندا استراليا) بها، ولكن بدا وكأن هذا القرار مقرون بشروط يرفضها كثير من أبناء الشعب الفلسطيني.

ويقف أهم شرط أمام هذه الشروط وكأنه "الشيطان الأكبر" وهو نزع سلاح المقاومة، بمعنى أن تكون الدولة الفلسطينية المُحتملة دولة منزوعة السلاح وتعترف بإسرائيل، وتنبذ "العنف".

بالمقابل، اتخذت بعض هذه الدول مواقف ضعيفة للغاية تجاه جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، ما يثير التساؤلات حول جدوى اعترافها بالدولة الفلسطينية، ومدى ما يمكن أن يقدمه للشعب الفلسطيني وقضيته.

بينما اتخذت دولا أخرى منها إسبانيا وإيرلندا مواقف أكثر حزما تجاه الاحتلال الإسرائيلي، منها وقف صفقات سلاح مع دولة الاحتلال ونقده وإنكار جرائم الإبادة الجماعية التي ينفذها في غزة في جميع المحافل الدولية، إضافة لمشاركة بعض سياسييها في مظاهرات داعمة للشعب الفلسطيني.

تحول رمزي غير جوهري
الكاتب والمحلل السياسي حسام شاكر، يرى "أنه من المهم ملاحظة أن الإقدام على الاعتراف بدولة فلسطينية يحمل قيمة ذات طابع رمزي بالأساس لا يمكن التقليل منها في سياق محاولة إنكار وجود دوله فلسطين المحتملة أو المستقبلية".

واعتبر أن "هذه الاعترافات تُعبر عن رسالة انزعاج من مسألة الحسم الإسرائيلية التي تحاول أن تقطع الطريق على أي وعد سياسي يمكن أن يُقدم للجانب الفلسطيني".

وتابع شاكر في حديث خاص لـ"عربي21"، "أيضا اعتراف بعض الدول مؤخرا لا يُعبر عن تحول جوهري في سياساتها، بقدر ما يُعبر عن التزامها بما كانت قد أقرت به منذ وضع مشروع الرباعية الدولية في عام 2003 المعروف بخارطة طريق الشرق الأوسط متضمنة الوعد بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافيا".

ويرى أن "هذه الخطوة جاءت متأخرة بعد أن ضيق الاحتلال الفرص الواقعية لإقامة هذه الدولة على الأرض، عبر السيطرة على الأراضي والتقسيم وتوسيع الاستيطان وغيرها من الإجراءات التي عزلت المدن والقرى الفلسطينية".

إشكاليات جوهرية
إلا أن الباحث حسام شاكر يرى "أن هذه الخطوة رغم أن لها معناها بكل تأكيد، لكن من المهم إدراك أن المواقف الغربية ذات الصلة تنطوي على إشكاليات جوهرية لأنها تتحدث عن الاعتراف بدولة ليست قائمة في الواقع".

وأضاف، "الأصل فيمن يريد دعم قيام دولة أن لا يكتفي بالاعتراف بها بل أن يدعم السُبل المفُضية إيها، وهذه السُبل ليس إقناعية للاحتلال بأن يقبل بها، لأنه لن يقبل بقيام دولة فلسطينية ويحاول أن يقطع الطريق عليها ويُسارع الخُطى في تغييره للواقع على الأرض لمنع قيامها".

وأكد أنه "يُفترض بمن يدعم قيام دولة فلسطينية أن يُعلن مساندته للشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه السليبة وإنصافه ودعم نضاله من أجل السيادة على أرضه وموارده وبلاده".

وأوضح، "بالتالي هناك غياب لهذا البُعد المهم جدا، أي دعم الطريق المُفضية لقيام هذه الدولة، لأنها لن تقوم بالاعترافات وحدها، ولكن بدعم كفاح ونضال شعبها ومشروعه لإقامة هذه الدولة".

اظهار أخبار متعلقة



أوضح شاكر أن الإشكالية الأخرى في الاعترافات الغربية "هي أنها تضع اشتراطات على هذه الدولة قبل قيامها دون أن تضع أي شرط على الجانب الإسرائيلي، ومنها أن تكون منزوعة السلاح ولديها التزامات معينة وأن تكون تركيبتها السياسية بشكل معين وأنها ينبغي عمليا أن تكون دولة غير ديمقراطية تقوم على اجتثاث قوة شعبية معينة وفرض حالة معينة من الحرمان السياسي فيها.. الخ".

وأكمل، "بالتالي لا نتحدث هنا عن دولة ديمقراطية حرة أو حتى دولة ذات سيادة وإنما دولة منزوعة السلاح، ولهذا عندما تتحدث هذه الدول عن دولة ذات سيادة فإنها عمليا تتحدث عن سيادة شكلية للأسباب التي ذكرتها، وتتذرع في هذا بأن القيادة الفلسطينية الحالية تقبل فكرة نزع سلاح الدولة، وهذه مسألة إشكالية بطبيعة الحال".

تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني
ويرى شاكر بأن "النقطة التي تُمثل معضلة حقيقية في مواقف بعض هذه الدول أنها لا تبني موقفها على فكرة حقوق الشعب الفلسطيني، بل على مقولات منها أن هذه الدولة تُمثل حاجة أمنية للجانب الإسرائيلي ومصلحة للاحتلال كما يُقال، وليس على أساس أن هذه الدولة ينبغي أن تكون رافعة لحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي هناك تنكر وتجاهل لحقوق الشعب الفلسطيني".

وأردف، "إضافة لذلك هناك تجاهل لقرارات دولية مهمة منها القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024 الذي يطلب بإنهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 67 في غضون 12 شهر أي حاليا، وهذا القرار جاء بعد الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية في ذات العام".

ويرى أن "الحديث عن دولة فلسطينية يأتي مع تجاهل القرارات الدولية ذات الصلة الصادرة عن محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذا يُمثل معضلة جوهرية، لأنه يُفترض بمن يقود تحركا على هذا المستوى أن يُشير إلى هذا الأمر".

اظهار أخبار متعلقة



ولفت إلى أن "مؤتمر نيويورك الذي عُقد في شهر يوليو هو أيضا لم يُشر إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المُشار إليها ولا إلى رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري، وإنما ذهب إلى تفاصيل بشأن هذه الدولة وأوقع عليها كثيرا من الالتزامات التي من المفترض أن تكون موكلة للشعب الفلسطيني ذاته لا أن تصدر بإرادات خارجية لكي تفرض على هذه الدولة تقليد معين بشكل يجعلها عمليا دولة شكلية وليست حقيقية ذات سيادة".

تحفظات لا مواقف رادعة للاحتلال
وقال الكاتب حسام شاكر لـ"عربي21"، "هذه الدول في العموم لم تتخذ بعد مواقف رادعة للاحتلال الإسرائيلي في سياق حرب إبادة جماعية وحشية، هي أبدت تحفظات واعتراضات وبعض النقد وأوحت ببعض الإجراءات التي تمنح الانطباع بأنها عقابية".

وتابع، "لكنها حتى الآن لم تُتخذ أي إجراءات عقابية حقيقية ذات صلة، وأعني هنا بريطانيا واستراليا وفرنسا وكندا، بل حتى لم تتحدث عن الإبادة الجماعية في قطاع غزة وإن تحدثت عن التجويع".

واعتبر أن "هذا المسلك عمليا يُضعف مصداقية هذه الدول في التعامل مع الأمر الواقع ويجعلها لا تخرج حتى الآن عن دائرة ما يُسمى بأصدقاء إسرائيل أو الدول المتحالفة معها بشكل أو بأخر، وهي عمليا رغم المواقف التي صدرت عنها - والتي لا يمكن التقليل من أهميتها في نقد الاحتلال الإسرائيلي وبعض سياساته -، لكنها ليست جوهرية بما يكفي".

وتابع، "وهذا فيما يتعلق بملف الدولة الفلسطينية يُمثل إشكالية أخرى وهو أن هذا الملف هو ملف تصرف مُريح لهذه الدول فيما يتعلق بمحاولة إعطاء انطباع بموقف متوازن، بينما الاعتراف بدولة فلسطينية لا يقدم شيئا جوهريا في داخله فيما يتعلق بواقع الصراع في فلسطين، وعلى هذا الأساس أتصور أننا أمام تطور في المواقف ولكنه ليس تطورا جوهريا ولا ينعكس على توازنات الواقع على مستوى قضية فلسطين كما ينبغي".

وأكد "أنه حتى يتم اعتبار الاعتراف بدولة فلسطينية موقف جدي يجب أن يأتي مع جملة من التحركات العقابية رادعة للاحتلال وداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني بشكل عام ومستندة أيضا إلى القرارات الدولية ذات الصلة، وهذا كله عمليا يتم تخطيه والاكتفاء بمقولة الاعتراف مع بعض النقد لسلوك إسرائيل في بعض الملفات دون إجراءات عقابية رادعة".

ضغوط غربية مُحتملة على القيادة الفلسطينية
وكثيرا ما طالبت الدول الغربية ومنها بعض الدول التي اعترفت مؤخرا بالدولة الفلسطينية بأن يتم نزع سلاح المقاومة، فهل يمكن أن تطالب من السلطة الفلسطينية القيام بذلك والاصطدام بمكون رئيسي من الشعب الفلسطيني؟

قال المحلل السياسي حسام شاكر، "فيما يتعلق بمواقف الدول التي تدعم قيام دولة فلسطينية هي ليست سواء، الدول أو عواصم القرار الغربي هي إن أظهرت اعترافها بالدولة الفلسطينية فإنها تحاول أن تُنعش مسار اتفاق أوسلو بالأساس، أو مسار المفاوضات الذي هو مسدود في الواقع".

ويرى أنها "معنية بإبقاء الأمل للشعب الفلسطيني بأن مسار التفاوض يمكن أن يُفضي إلى شيء حقيقي في نهاية المطاف، رغم أن جميع الأطراف تدرك بأنه لا شريك في الجانب الإسرائيلي لأي تفاوض أو أي حل سياسي حقيقي، وأن ما يحكم الاحتلال الإسرائيلي في العقود الأخيرة كان نهج يزداد تطرفا سنة بعد سنة".

وأوضح أن "هذه الدول تُدرك هذه الحقيقة، لكنها معنية بإبقاء القرار الرسمي الفلسطيني ومؤسساته على السكة لأن هذا الخيار طُور غربياً بشكل مستمر ودؤوب وجرى تمويله، والاعتراف بدولة فلسطينية يتضمن إنعاش الوعد السياسي عبر المسار السلمي رغم حقيقة تعطيل الجانب الإسرائيلي أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية حقيقية".

اظهار أخبار متعلقة



وتابع، "أيضا هذه الدول نفسها لديها موقف معادِ لمقاومة الشعب الفلسطيني سواء المُسلحة أو حتى المقاومة السلمية بما فيها حملات المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات التي لا تلقى ترحيباً من هذه الدول".

ويرى شاكر أن "هذه الدول المُعترفة تريد إبقاء حالة سياسية مستقرة فلسطينيا ضمن تقاليد اتفاق أوسلو الذي انهار في الواقع القائم، وهي أيضا تُظهر استجابة للضغوط الداخلية والخارجية بشأن سياساتها من خلال الذهاب لمساحة الاعتراف بدولة فلسطين وكأنها قامت بما عليها من التزامات، بينما هذا الاعتراف يبقى في وزنه الحقيقي خطوة سياسية غير جوهرية في توازنات الصراع".

وختم شاكر حديثه بالقول، "أيضا لا بد من الإشارة إلى خطورة ربط بعض استحقاقات ما يُسمى اليوم التالي بملف الدولة الفلسطينية، بمعنى ترتيب استحقاقات وإملاءات على الساحة الفلسطينية تحت لافتة الاعتراف بدولة فلسطينية ولا يبدو مفهوما ما علاقة هذا الاعتراف بترتيب إملاءات الاحتلال نفسه، يعني منع أي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال وفرض حالة معينة على الشعب الفلسطيني".
التعليقات (0)

خبر عاجل