نشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية مقالا للفنان والملحن العالمي بريان
إينو، منظم مهرجان "معا من أجل
فلسطين" الذي أقيم في ميدان ويمبلي بلندن، تساءل فيه عن الدافع وراء تنظيمه لهذه الفعالية الموسيقية، قائلا إنه يأمل أن تنجح الأمسية في "إلهاب مشاعر الناس كما فعلت حفلة نيلسون مانديلا عام 1988"، وأن تمنح الجمهور الشجاعة للحديث علنا عن
غزة.
وأوضح إينو أن التجربة التاريخية لحفل ويمبلي الشهير عام 1988، الذي نظمه المنتج الموسيقي توني هولينغسورث احتفالا بعيد ميلاد مانديلا السبعين، أظهرت كيف يمكن للثقافة أن تغيّر السياسة. فعلى الرغم من تردد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في بث الحفل حينها، بسبب تصنيف مانديلا على أنه "إرهابي"، إلا أن البث وصل إلى 600 مليون شخص حول العالم، وساهم في تحويل مانديلا إلى اسم مألوف عالميا، وعجل في إطلاق سراحه لاحقا. وقد وصف أوليفر تامبو، رئيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي آنذاك، الحفل بأنه "أعظم حدث فردي أقمناه دعما للنضال".
وانتقل إينو من هذه التجربة إلى الواقع الراهن قائلا: "هذا ما يقودنا إلى غزة". وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمارس بالكلمات والصور تماما كما بالرصاص والقنابل، ما يفسر محاولات إسكات الفنانين الذين يعارضون سياسات إسرائيل أو يتضامنون مع الفلسطينيين. واستشهد بعدة أمثلة حديثة، منها الحملة التي استهدفت المخرج اليهودي جوناثان غليزر، وفصل الممثلة ميليسا باريرا من أحد الأفلام بعد استخدامها تعبير "الإبادة الجماعية في غزة"، إضافة إلى إلغاء معارض لفنانين في ألمانيا، ورفض "بي بي سي" عرض فيلم وثائقي عن العاملين في قطاع الصحة بغزة بحجة الخوف من "التحيز"، قبل أن يعرض لاحقا على القناة الرابعة ويحظى بإشادة واسعة.
وقال إينو إن هذه الرقابة ليست سوى نتاج "جدار الخوف" الذي بناه مؤيدو السياسة الإسرائيلية لمعاقبة الأصوات الفنية المخالفة، لكن هذا الجدار بدأ يتصدع بفعل وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة، وسياسات التجويع الممنهج، وتصريحات وزراء إسرائيليين دعوا صراحة للتطهير العرقي. وأضاف: "قبل خمس سنوات، وربما حتى العام الماضي، كان من المستحيل تخيل عشرات الفنانين العالميين يجتمعون لدعم فلسطين، لكن الآن بات ذلك ممكنا".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى الصعوبات التي واجهت تنظيم مهرجان "معا من أجل فلسطين"، حيث كان مجرد ذكر اسم فلسطين كفيلا برفض العديد من القاعات استضافة الحدث، لكنه أوضح أن الأمور تغيرت مؤخرا؛ فقد وافقت قاعة ويمبلي على التوقيع، وأعلن "يوتيوب" بث الحفل مباشرة، والأهم أن الفنانين تجاوبوا مع الدعوة. وقال: "أتساءل كيف كان سيكون رد الفعل لو حمل الحفل اسم معا من أجل أوكرانيا؟".
وأضاف إينو أن الخطر الأكبر على سمعة الفنانين في الغرب قد لا يأتي اليوم من مواقفهم المؤيدة لفلسطين، بل من صمتهم إزاء ما يحدث في غزة، مشيرا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي نجح لعقود في ربط كلمة "فلسطين" بكلمة "إرهاب"، تماما كما فعل أنصار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا مع نيلسون مانديلا.
وختم بالقول إن ما كان مثار جدل في الماضي قد يصبح فجأة قضية أخلاقية واضحة، تضع المدافعين عن الاحتلال في "الجانب الخطأ من التاريخ". وتابع: "ربما يأتي يوم يعترف فيه قادة الأحزاب الغربية بمسؤوليتهم عن العنف الوحشي ضد الفلسطينيين، تماما كما فعل قادة بريطانيون لاحقا باعتبار موقفهم السابق من نظام الفصل العنصري خطأ فادح".
وأضاف: "قد يكون الأوان قد فات لإنقاذ عشرات آلاف الضحايا المدنيين في غزة، لكن إن حصل الحساب يوما ما، فسيكون ذلك جزئيا لأن الممثلين والفنانين والكتاب والموسيقيين ساعدونا على رؤية الفلسطينيين كبشر يستحقون الاحترام والحماية، تماما مثل جيرانهم الإسرائيليين".
ونقلت "الغارديان" عن الكاتب المصري الكندي عمر العقاد قوله: "سيأتي يوم يكون فيه الجميع ضد هذا، لكن بعد أن يكون الثمن قد دفع غاليا".