صحافة دولية

سباق عالمي للذكاء الاصطناعي.. من يهيمن الصين أم أمريكا؟

التقرير أوضح أن سمعة الصين في الابتكار تعززت مع إطلاق DeepSeek-R 1 - الأناضول
التقرير أوضح أن سمعة الصين في الابتكار تعززت مع إطلاق DeepSeek-R 1 - الأناضول
بدأت الصين فرض حضورها في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم من خلال نموذج حوكمة عملي يركز على النتائج، على عكس النهج الأمريكي الذي يركز على الأمان والمعايير.

وأكد تقرير حديث نشرته صحيفة إيكونومست أن الصين بدأت تقدم للعالم رؤية لحوكمة الذكاء الاصطناعي قائمة على النتائج وبدون الالتزام بالقيم التقليدية، في مقابل نهج الولايات المتحدة الأكثر تركيزا على المعايير والأمان.

وأشار التقرير إلى أن جذور هذا السباق في مجال الحوكمة التكنولوجية تعود إلى عام 1995، خلال العصر الذهبي للعولمة، حين صاغ أستاذ الأعمال في جامعة بيركلي، ديفيد فوجل، مصطلحا أسماه "تأثير كاليفورنيا".

وجادل فوجل في كتابه الارتقاء بالأسواق أن تنظيم المستهلك والبيئة في اقتصاد عالمي حيث تواجه الشركات منافسة جديدة من منافسين أجانب في الأسواق الغنية لا تخفض معاييرها دائمًا كما قد يتوقع البعض، بل إن القواعد الصارمة في سوق تنافسية قد تشعل سباقا نحو القمة، بما في ذلك في الولايات القضائية المجاورة.

وذكر التقرير أن مثال ذلك هو معايير انبعاثات المحركات الصارمة التي فرضتها ولاية كاليفورنيا، أهم سوق سيارات في الولايات المتحدة، حيث اختارت العديد من الشركات تصنيع جميع سياراتها بما يتوافق مع تلك المعايير بدلاً من تصنيع محركات مختلفة لتناسب ولايات مختلفة.

اظهار أخبار متعلقة


وأكد التقرير أن التأثير الأوروبي لم يكن أقل أهمية، حيث صاغت الباحثة آنو برادفورد من جامعة كولومبيا عام 2012 ما أسمته "تأثير بروكسل"، في إشارة إلى القوة التي يمارسها الاتحاد الأوروبي عبر قواعده الصارمة على الشركات متعددة الجنسيات. ورغم استياء الشركات من هذه اللوائح أو الغرامات التي تفرضها الجهات الرسمية، أشار التقرير إلى أنها تبنت مرارًا معايير الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم.

وأشار التقرير إلى أن الحوكمة العالمية للتجارة لم تعد في عصرها الذهبي، ومع ذلك لا تزال أكبر الاقتصادات، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، تولي اهتمامًا كبيرًا لوضع معايير عالمية، مؤكدًا أن تشكيل حوكمة الذكاء الاصطناعي في 2025 يعد "أعظم جائزة" في هذا المجال.

وأوضح التقرير أن أي توقع بفوز صيني في هذا السباق كان شبه مستبعد، خصوصًا مع سجل الحزب الشيوعي في تنظيم الإنترنت، حيث حظرت السلطات الصينية روبوت المحادثة الأمريكي التوليدي Chat GPT بسرعة، مشددين على ضرورة تقييم جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على تشكيل الرأي العام.

وأوضح التقرير أن سمعة الصين في الابتكار تعززت في كانون الثاني / يناير مع إطلاق DeepSeek-R 1، نموذج متقدم متعدد اللغات أنتج بقدرة حاسوبية ودعم مالي ضئيل مقارنة بالمنافسين الأمريكيين، مؤكدًا أن هذه الخطوة أثارت تساؤلات حول استراتيجية الولايات المتحدة للحفاظ على ريادتها من خلال حرمان الصين من الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة.

وأشار التقرير إلى أن النجاح التقني واجه عقبات سياسية، حيث حظرت إيطاليا DeepSeek بسبب مخاوف تتعلق بخصوصية البيانات، ومنعت تايوان استخدامه في الأنظمة الحكومية لأسباب أمنية.

وأفاد التقرير أن المستثمرين والمسؤولين الصينيين يظلون متفائلين، مشيرين إلى أن الدولة تسخر مواردها لإنتاج تطبيقات منخفضة التكلفة وسهلة الوصول، وتعمل على استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، معتبراً أن الاكتفاء بالمركز الثاني بعد أمريكا رهان تجاري ذكي وذو صدى محتمل عالميًا.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار التقرير إلى أن التناقض مع النهج الأمريكي صارخ، حيث شبه بعض أعضاء الكونغرس السباق في الذكاء الاصطناعي بالسعي إلى تقسيم الذرة. وذكر التقرير أن نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، وبخ الأوروبيين على لوائحهم التنظيمية المفرطة في الحذر، مؤكدًا أن مستقبل الذكاء الاصطناعي "لن يُنتصر بالقلق بشأن السلامة".

كما أشار التقرير إلى أن آخرين يوافقون الصين على اعتبار الذكاء الاصطناعي تقنية متعددة الأغراض، تشبه الكهرباء أو الحواسيب أكثر من كونها سلاحًا دمار شامل، مستشهدًا بتصريحات رئيس وزراء سنغافورة، لورانس وونغ، الذي أكد أن الفائدة الكبرى للتكنولوجيا تكمن في انتشارها على نطاق واسع.

وأكد التقرير أن اللوائح الصينية أكثر عملية وملاءمة للقطاع الصناعي مما يظنه المراقبون، مشيرًا إلى ورقة بحثية لأنجيلا هويو تشانغ من جامعة جنوب كاليفورنيا، والتي بينت أن الضوابط الصارمة على المعلومات تتعايش مع تراخي تطبيق قواعد الخصوصية وحقوق النشر وحماية البيانات، مؤكدًا أن أنظمة التعرف على الوجه في الصين قائمة على الذكاء الاصطناعي تعتبر من الطراز العالمي.

وأضاف التقرير أن الرقابة الاجتماعية تطبق عمليًا في الصين، مشيرًا إلى أن النهج الصيني يعطي الأولوية للربحية والنظام الاجتماعي على الحقوق الفردية، في حين عبرت المفوضية الأوروبية عن قلقها إزاء مخاطر التمييز باستخدام الخوارزميات.

وأشار التقرير أيضًا إلى أن النسخة الصينية من حوكمة الذكاء الاصطناعي تواجه عقبات في الديمقراطيات الليبرالية، لكنها تلقى قبولًا من دول تبحث عن تقنيات رخيصة وفعالة.

وأوضح التقرير أن الصين تتمتع بميزة إضافية في منافستها لإدارة ترامب، التي تصر على الهيمنة على الذكاء الاصطناعي وفرض تفضيلاتها الأيديولوجية، مؤكدًا أن تهديد ترامب بفرض رسوم عقابية على الدول التي تحاول تنظيم شركات التكنولوجيا الأمريكية يمثل "هدية سياسية" للصين، وأطلق التقرير على هذه الظاهرة مصطلح "تأثير ترامب".
التعليقات (0)