قضايا وآراء

خديعة استخدام الكليشيهات إعلاميا

رائدة حمره
"لدى الجمهور حق في الحصول على المعلومة"- جيتي
"لدى الجمهور حق في الحصول على المعلومة"- جيتي
هل سبق أن جلست في مؤتمر صحفي، وسمعت من أفواه الناطقين الرسميين باسم دوائر رسمية أو محللين سياسيين عبارات مثل: "كما هو معلوم"، "الكل يعرف"، "دعنا نكون واضحين"، "اتخذنا كل التدابير اللازمة"، "نبدأ صفحة جديدة"، "ضوء في نهاية نفق معتم"، وغيرها من الأمثلة المشابهة؟

إذا كنت كذلك، فانتبه جيدا. فهذه قد تكون عبارات خُصِّصت لتضليلك عن فكرة طرح سؤال قيِّم حول تفاصيل الأحداث التي وقعت فعلا، أو لجعلك تشعر بالخجل أو التردد من طرح استفسارك بعد أن قيل لك إنها "معلومة للجميع". فهي في الغالب أسلوب يُستخدم بكثرة أمام الجمهور المتلقّي، دافعا فكره بعيدا عن تفاصيل الخبر التي قد تحمل أهمية أكبر من الخبر ذاته.

تكمن خطورة التسليم بهذه العبارات المستهلكة إعلاميا في إعاقة أو منع المتلقي من تحليل الأحداث منطقيا وببساطة

تكمن خطورة التسليم بهذه العبارات المستهلكة إعلاميا في إعاقة أو منع المتلقي من تحليل الأحداث منطقيا وببساطة. فعلى سبيل المثال، باستخدام عبارة "إنها معلومة عامة" (common knowledge) من قبل المحللين أو المتحدثين الرسميين وغيرهم، فإنهم يخاطرون باستبعاد أشخاص ينتمون إلى ثقافات أو لغات مختلفة، وقد تكون لديهم تجارب تعليمية أخرى أو لا يملكون إلماما بالتخصص أو بسياق الأحداث التي وقعت.

وما يُعد "معلومة عامة" أو "معروفة" لدى البعض، لا يعني بالضرورة أنها صحيحة أو دقيقة لدى الآخرين، فهي ليست حقائق علمية كقولنا إن الشمس تشرق من الشرق! فلماذا تُستخدم هذه العبارات المستهلكة (الكليشيهات) أمام الجمهور المتلقي؟

أولا: التهرب من الشفافية. يفضّل العديد من الناطقين بهذه العبارات عدم تقديم معلومات شفافة ودقيقة للجمهور والصحفيين، لأسباب عدة، منها التغطية على فشل ما، أو التقصير في أداء الواجب، أو عدم امتلاكهم للمعلومات أصلا، أو تنفيذا لتعليمات من جهات عليا.. إلخ. جميعها تصب في خانة التنصّل من المسؤولية.

ثانيا: التحكم في السرد من قِبَل هذه الجهات وحدها. فالقصة الإخبارية تُعجن بأيديهم وحدهم فقط، من خلال استخدام الكليشيهات التي توجّه عناوين وسائل الإعلام نحو عبارات مُحكمة ومكرّرة.

يُقلّل بعض السياسيين من شأن جمهورهم، مفترضين أن معظم الناس لن يُمعنوا النظر في هذه الكليشيهات الفارغة، التي أصبح تكرارها جزءا من وظيفة المتحدثين الرسميين أو المحللين عموما

مثال: "في نهاية المطاف، كلنا في خندق واحد". إنها عبارة مبهمة، لكنها جذابة؛ صُممت لتُقتبس دون الكشف عن تفاصيل، من شأنها أن تساعد على إضاعة الوقت وامتصاص مخاوف الناس تجاه أمر يقلقهم، وقد تحمل تعاطفا يوحي بأن الجميع متأثرون وأن الضرر أصاب الجميع. إنه أسلوب لاستجداء الاستعطاف لا أكثر.

ثالثا: استغفال العامة. يفترض بعض المتحدثين أن الجمهور لن يلاحظ فضاضة تلك العبارات وهشاشتها. للأسف، يُقلّل بعض السياسيين من شأن جمهورهم، مفترضين أن معظم الناس لن يُمعنوا النظر في هذه الكليشيهات الفارغة، التي أصبح تكرارها جزءا من وظيفة المتحدثين الرسميين أو المحللين عموما.

يُدرَّب العديد من السياسيين إعلاميا على استخدام لغة آمنة وجُمل قابلة للتكرار. وينصح مستشارو العلاقات العامة باستخدام الكليشيهات لأنها سهلة الحفظ، وتساعد على تجنّب المخاطر القانونية، ويصعب على الصحفيين تحريفها أو حتى مساءلتهم بشأنها.

المطلوب: الحذر من التسليم بهذه الكليشيهات عند سماعها، والمبادرة بطرح أسئلة حولها بلا تردد. مواجهة محاولات التجهيل العام عبر طلب الإيضاح؛ وسيلة فعالة لإجبار مطلقي هذه العبارات على التراجع عنها واستبدالها بمعلومات واضحة ودقيقة تضيف معرفة حقيقية للجميع. لدى الجمهور حق في الحصول على المعلومة، فلا تتخلَّ عن حقك.
التعليقات (0)