في صراع وجودي
وتحولات إقليمية وعالمية، في خضم الصراع المستمر الذي يشهده الشرق الأوسط، شكلت معركة
غزة محطة مفصلية أظهرت بوضوح تغير موازين القوى، وأعادت رسم خريطة النفوذ السياسي والعسكري
والإنساني في المنطقة. هذه المعركة لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بين
المقاومة الفلسطينية
والكيان الصهيوني، بل كانت معركة وجودية ذات أبعاد عميقة ومتعددة الجوانب، تركت تداعيات
جسيمة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
الخسائر الاستراتيجية
للصهيوني رغم الإنجازات المؤقتة
على السطح،
تمكن الكيان الصهيوني من تحقيق بعض الإنجازات العسكرية التي استهدفت شبكة حماس وقدراتها
العملياتية، ووجه رسائل داخلية تعزز من شرعية الحكومة
الإسرائيلية أمام الرأي العام.
كما استفادت جماعات الصهيونية المسيحية من الأزمة لتعزيز تحالفاتها السياسية والدينية،
ما دعم الحاضنة الأيديولوجية لإسرائيل في الغرب. لكن الخسائر الحقيقية، التي غالبا
ما تبقى غير معلنة، تنعكس في تآكل عميق على عدة مستويات:
تبقى الخسائر المادية والإنسانية هائلة، ومعاناة المدنيين وضغوط الحصار المستمر تشكل تحديا كبيرا أمام إعادة البناء والاستقرار، وتحديا سياسيا أمام المقاومة في الحفاظ على الدعم الشعبي والحفاظ على وحدة الساحة الفلسطينية
عسكريا ونفسيا:
الخسائر البشرية ليست فقط في أعداد القتلى والجرحى، بل في تآكل معنويات الجنود الذين
يعانون من اضطرابات نفسية متزايدة، الأمر الذي يؤثر على جاهزيتهم وقدرتهم القتالية
في المستقبل.
مجتمعيا: تزايد
الانقسامات الداخلية داخل المجتمع الإسرائيلي، ما يضعف الوحدة الوطنية ويعزز من الاحتقان.
اقتصاديا:
النفقات الحربية الضخمة والفجوات في الموارد تؤثر على استدامة العملية العسكرية والاقتصاد
الإسرائيلي.
دبلوماسيا:
التراجع النسبي للدعم الغربي بسبب فضائح حقوق الإنسان والضغط المتصاعد من حركات التضامن
في العالم.
كل هذه العوامل
تشكل معا تهديدا وجوديا للكيان الصهيوني على المدى المتوسط والبعيد، حيث تبدو دولة
إسرائيل متآكلة من الداخل وعاجزة عن فرض سيطرتها بأمان تام.
كسب معنوي
للمقاومة وتضامن عالمي رغم الخسائر المادية والبشرية
على الجانب
الآخر، رفعت المقاومة الفلسطينية من رصيدها المعنوي على المستويين الإقليمي والدولي،
مظهرة قدرة على الصمود والمواجهة في وجه قوة عسكرية متفوقة تكنولوجيا وعدديا على النحو
التالي:
معنويا وسياسيا:
عززت صورة المقاومة كحامية للكرامة الوطنية، وكسبت تعاطفا واسعا من الشعوب، خصوصا من
طلاب الجامعات والشباب في الدول الغربية، مما شكل ضغطا أخلاقيا على الحكومات الغربية
وأضعف دعمها لإسرائيل.
دوليا: الدعم
الإقليمي المتزايد من إيران وتركيا والعديد من الفصائل والشعوب؛ عزز من وضع غزة كحاضنة
حقيقية لمحور المقاومة، ما يهدد الهيمنة الإسرائيلية.
إنسانيا: رغم
الأضرار الفادحة في البنية التحتية، واستشهاد عدد كبير من المدنيين، ظل المجتمع الفلسطيني
صامدا، مع تزايد الوعي العالمي بمعاناة الفلسطينيين.
ومع ذلك، تبقى
الخسائر المادية والإنسانية هائلة، ومعاناة المدنيين وضغوط الحصار المستمر تشكل تحديا
كبيرا أمام إعادة البناء والاستقرار، وتحديا سياسيا أمام المقاومة في الحفاظ على الدعم
الشعبي والحفاظ على وحدة الساحة الفلسطينية.
موازين قوة
جديدة وتباينات عميقة في التحولات الإقليمية والعالمية
تلعب التحولات
الإقليمية والعالمية دورا حاسما في مآلات الصراع على مستويات متعددة:
تركيا وإيران:
عززتا مواقعهما كقوى إقليمية فاعلة؛ تدعم المقاومة وتعيد رسم معادلات النفوذ في الشرق
الأوسط.
الولايات المتحدة:
رغم الدعم السياسي والعسكري الظاهر لإسرائيل، تواجه ضغوطا متزايدة داخليا وخارجيا بسبب
الأزمات الإنسانية وانتقادات لسياساتها.
روسيا والصين:
تستثمران الأزمة لزيادة نفوذهما في المنطقة، مستغلتين التراجع النسبي للهيمنة الأمريكية،
مع تقديم مواقف أكثر انتقادا للغرب ودعما للشعوب المظلومة.
المجتمع الدولي:
مع تزايد الاستقطاب، تبرز الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في معارك دبلوماسية شديدة
على مصير القضية الفلسطينية.
العالم العربي:
منعطف مصيري بين التحديات والفرص يفرض نفسه على حاضر ومستقبل العالم العربي، حيث تضع
الحرب العالم العربي أمام مفترق طرق:
- الإنسانية
والاجتماعية: تتطلب جهود إعادة إعمار هائلة، واستثمارات في البنية التحتية ودعم المجتمعات.
معركة غزة ليست فقط معركة على الأرض، بل معركة وجود واستراتيجية تمتد آثارها إلى أبعد من حدود القطاع، تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط، وتضع موازين القوى في العالم على المحك
- السياسية:
الحاجة الملحة لوحدة الصف العربي، وإعادة بناء تحالفات قوية تعبر عن مصالح الشعوب.
- الاقتصادية:
إمكانية استثمار الموارد في التنمية المستدامة بدلا من الصراعات المستمرة.
- الدولية:
تزايد النفوذ الإقليمي لقوى جديدة مثل تركيا وإيران، وتحول مراكز القرار الدولي.
التداعيات
الأخلاقية والسياسية وموقف الأحرار والطلبة حول العالم
برزت حركات
التضامن في الجامعات ومجتمعات الشباب كمصدر قوة معنوية وأخلاقية للمقاومة، محدثة ثغرات
في المنظومة الأخلاقية والسياسية للغرب، خصوصا في أمريكا وأوروبا. هذا الموقف يعكس
بداية زعزعة أسس الهيمنة الغربية، ويعيد فتح نقاشات حول العدالة، حقوق الإنسان، والشرعية
السياسية في المنطقة.
ختاما: معركة
غزة ليست فقط معركة على الأرض، بل معركة وجود واستراتيجية تمتد آثارها إلى أبعد من
حدود القطاع، تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط، وتضع موازين القوى في العالم على المحك.
بقاء أو زوال
الكيان الصهيوني مرتبط بعدة عوامل داخلية وخارجية، في حين تظل المقاومة الفلسطينية
رمزا للنضال والكرامة مع تحديات كبرى في بناء المستقبل.
أما العالم
العربي، فعليه استثمار هذه اللحظة المفصلية نحو وحدة واستقلال حقيقيين، بعيدا عن الوهن
والتبعية.