صحافة دولية

"أطباء تحت النار" وثائقي يرصد ما حدث للكوادر الطبية بغزة.. "بي بي سي" رفضت عرضه

بي بي سي ترفض عرض فيلم يوثق "تطهيرًا منهجيًا" للمستشفيات في غزة والقناة 4 تتبناه - جيتي
بي بي سي ترفض عرض فيلم يوثق "تطهيرًا منهجيًا" للمستشفيات في غزة والقناة 4 تتبناه - جيتي
قال الناقد البريطاني ستيوارت هيرتيج في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" إن فيلم "غزة: أطباء ومسعفون تحت النار"، الذي عرضته القناة الرابعة البريطانية بعد رفض هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بثه، هو "عمل سينمائي بالغ الأهمية"، رغم ما يحمله من مشاهد كابوسية لن تزول من الذاكرة، مؤكداً أن "العالم بحاجة إلى أن يشاهده".

وأكد هيرتيج أن الفيلم يوثق "الاستهداف الممنهج للأطباء والمسعفين في قطاع غزة" من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتناول شهادات ووقائع دامغة حول تعذيب واحتجاز كوادر طبية في ظروف صادمة، مشدداً على أن "أكبر فشل قد يواجه الفيلم هو أن ظروف عرضه قد تطمس محتواه الذي لا يجب السكوت عنه".


وأضاف الناقد البريطاني أن "بي بي سي" كانت قد كلفت شركة بيسمنت فيلمز بإنتاج الفيلم، لكنها تراجعت عن عرضه بعد الجدل الذي أثاره فيلم وثائقي آخر بعنوان "غزة: كيف تنجو من محور حرب"، مشيراً إلى أن هذا القرار "أثار موجة استياء داخل المؤسسة الإعلامية الأبرز في البلاد، وشكّك في حيادها التحريري".

وقال هيرتيج إن القناة الرابعة أنقذت الفيلم من الإهمال، ومنحته منصة عرض واسعة، مضيفاً: "لقد بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن هذا العمل يستحق أن يُشاهد، وأن يتم التعامل معه بجدية تامة".

تحقيق جنائي في جرائم حرب
وصف هيرتيج الفيلم بأنه "تحقيق جنائي مكثف" في مزاعم استهداف الجيش الإسرائيلي للمستشفيات والطواقم الطبية في غزة، البالغ عددها 36 مستشفى. 

وأوضح أن الفيلم يكشف نمطاً متكرراً من الهجمات، وفقاً لما وثقته الأمم المتحدة: يبدأ بقصف المستشفى، ثم محاصرته، وبعدها اقتحامه بواسطة الدبابات والجرافات، ثم اعتقال الطواقم العاملة فيه. وعندما يصبح المستشفى غير قابل للاستخدام، تنتقل القوات إلى مستشفى آخر لتكرار السيناريو نفسه.

وشدد هيرتيج على أن هذه الاستراتيجية، بحسب ما جاء في الفيلم، تهدف إلى "شل النظام الصحي في غزة لسنوات قادمة"، مضيفاً: "المباني يمكن إعادة بنائها، لكن الكوادر الطبية تحتاج إلى سنوات من التدريب، واستهدافهم هو وسيلة لضرب مستقبل غزة بالكامل".

اظهار أخبار متعلقة


رعب إنساني غير مسبوق
أضاف هيرتيج أن الفيلم يتبع أسلوباً هادئاً في السرد، بعيداً عن التلاعب العاطفي، لكنه مع ذلك يقدم "تسلسلاً زمنياً مرعباً" لأهوال عاشها الأطباء داخل المستشفيات المحاصرة والمستهدفة. ويظهر الفيلم محاولات الأطباء علاج جروح مروعة في ظل انعدام الماء والكهرباء، كما يوثق حالات احتجاز في مواقع سرية، حيث يُعذب الأطباء ويُستجوبون، بل ويُروى عن تعرض بعضهم لعمليات تعذيب واغتصاب جماعي.

وسلّط الفيلم الضوء على شهادات أطباء عايشوا المأساة، من بينهم الدكتور خالد حمودة، الذي قُتل عشرة من أفراد عائلته في قصف مباشر لمنزله، ثم تم قصف المنزل الذي لجأ إليه من تبقى من الناجين.
 
وبعد مقتل زوجته وابنته، لجأ حمودة إلى المستشفى الذي يعمل فيه، فتعرض بدوره للقصف، واعتُقل مع 70 طبيباً آخرين تعرضوا للضرب والتنكيل.

وأشار هيرتيج إلى حالة الدكتور عدنان البرش، الذي اعتقل وجُرد من ملابسه وتم استجوابه، وتوفي لاحقاً في السجن، حيث لم تُتح له فرصة الحديث عن تجربته، لكن الفيلم بثّ تسجيلات صوتية له قبل وفاته، يوصي فيها أطفاله بالاعتناء بوالدتهم، في مشهد وصفه هيرتيج بأنه "يبث شعوراً باليأس المطلق".

اعتبر هيرتيج أن فيلم "أطباء تحت النيران" هو "الأكثر قسوة ورعباً" بين جميع الأفلام الوثائقية التي أُنتجت مؤخراً عن القضية الفلسطينية، موضحاً أن المقاطع التي تتحدث عن تعذيب الأطباء في السجون تشبه "الكوابيس الحيّة".

وقال إن "من بين أكثر المشاهد إيلاماً، تلك التي تُروى فيها حالات تعذيب جسدي ونفسي على يد أطباء إسرائيليين، كانوا يجرون عمليات جراحية دون تخدير، ويصرخون في وجه المرضى الفلسطينيين قائلين: أنتم مجرمون ويجب أن تموتوا".

حياد أم تهرب من الحقيقة؟
وانتقد هيرتيج موقف "بي بي سي" التي امتنعت عن عرض الفيلم بدعوى الخوف من "المظهر غير المحايد"، مؤكداً أن معدّي الفيلم اتخذوا كل الإجراءات المهنية المطلوبة، من حيث عرض رواية الطرف الإسرائيلي، وتوثيق هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بنفس المستوى الذي عرضت فيه مشاهد الأطفال الفلسطينيين الجرحى والقتلى.

وقال: "لقد أدرك صناع الفيلم أن أي علامة على الانحياز ستفقدهم المصداقية، ولذلك حرصوا على التوازن والموضوعية".

وفي رسالة مفتوحة سبقت عرض الفيلم، حذرت المسؤولة في القناة الرابعة لويزا كومبتون٬ من أن الفيلم "سيسبب غضباً واسعاً لدى كثيرين، من جميع الأطراف". 

وعلّق هيرتيج بالقول: "كانت محقة، فهذا من نوعية الأفلام التي لا يمكن نسيانها، وسيؤدي إلى رد فعل دولي واسع... ولسبب وجيه جداً".

وختم الناقد البريطاني مقاله بدعوة واضحة قائلاً: "انسَ ما أوقفته بي بي سي. الفيلم بات هنا الآن، ولا يجوز تجاهله".
التعليقات (0)