ملفات وتقارير

قرار وقف حبس المدين يثير الجدل في الأردن ما بين مؤيد ومعارض.. ما تأثيره على النشاط الاقتصادي؟

القرار يشمل المتعثرين بتسديد قروض البنوك- بترا
القرار يشمل المتعثرين بتسديد قروض البنوك- بترا
بدأ في الأردن تنفيذ تعديلات المادة 22 من قانون التنفيذ الأردني والتي تختص بقضية حبس المدين، وبموجب هذه التعديلات تغيرت آلية التعامل مع هذه القضايا بما في ذلك قضايا معظم الديون التعاقدية والشخصية.

وكانت التعديلات قد أُقرت عام 2022 ونص القرار على سريانها بعد ثلاثة سنوات من إقرار القانون، ووفقها سيتم وقف حبس المدين إلا في بعض الحالات الاستثنائية.

وبناء على هذه التعديلات سيتم وقف حبس المدين في قضايا الديون التعاقدية ورفع الحماية الجزائية عن الشيكات والكمبيالات، ولكن يجوز حبس المدين في قضايا الديون العُمالية وتأجير العقارات.

ويتم وفق القانون تحديد مدة حبس المدين في الحالات الاستثنائية التي لم يشملها قرار وقف حبس المدين، بحد أقصى 60 يوم لكل قضية دين سنويا، وأن لا تزيد مدة الحبس عن 120 يوم بغض النظر عن عدد قضايا الديون المُستحقة على الشخص.

ويوقف حبس الأشخاص في قضايا الديون الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، والنساء والمدين المُعسر والمُفلس، ومن تقل ديونهم عن 5 ألاف دينار أردني، كذلك أوقف القانون الحبس ضمن الأصول بمعنى زوج وزوجته وأب وابنه ..الخ.

وفرض القانون التوجه اللجوء إلى آلية تسوية قبل أن يكون القرار الأخير الحبس، كما أصبح الشيك بدون رصيد غير مُجرم، واستثنى المُشرع الأردني عدة قضايا بحيث يُوجب فيها الحبس، وهي نفقة الزوجة وقضايا التعويضات الجنائية.

كذلك بمقابل عدم حبس المدين سيكون هناك منع سفر لكل شخص عليه ديون مستحقة حتى لو لم يُسجن بسبب هذه الديون المتراكمة عليه، كما سيتم الحجز على أي ممتلكات يملكها المدين ويتم تقدير ثمنها وبيعها وسداد الديون المترتبة عليه من الثمن.


اظهار أخبار متعلقة



جدل
ووفقا لهذه التعديلات تم الخميس في أول يوم من تطبيقها إسقاط الملاحقة القانونية في المحاكم الأردنية عن 56 ألف مواطن تقريبا، وتم الإفراج عن مئات الأشخاص الذين كانوا يقضون أحكامًا بالحبس نتيجة تعثرهم المالي وعدم سداد الديون المترتبة عليهم.

وأثارت هذه التعديلات جدلا في الشارع الأردني، ما بين مؤيد لها اعتبر أن وقف حبس المدين أنقذ عائلات المتعسرين ماليا من التشرد بعد حبس مُعيلها الوحيد، وما بين معارض يرى في هذا القرار ضياع لحقوق الدائنين ووقفا للنشاط الاقتصادي في البلد.



كما اعتبر البعض أن هذا القانون سيدفع الناس للعودة إلى البلطجة واستخدام العنف لتحصيل الحقوق الشخصية والديون المترتبة على الأخرين، وبالتالي سيكون هناك فوضى مجتمعية وقانونية.




بالمقابل اعتبر البعض هذا القرار يخفف العبء على المواطن المتعثر ماليا وعلى أسرته التي قد تتعرض للتشريد نتيجة حبس المعيل الوحيد لها، كما أنه سيساهم في تخفيف العبء على السجون حيث يبلغ عدد المحكوم عليهم حكم قطعي في قضايا مالية تقريبا 35 ألف شخص.





تأثير اقتصادي سلبي
وتعتبر قضايا تعثر سداد الديون التجارية من أهم وأكثر القضايا التي يتم فيها حبس المدين، وهنا يبرز سؤال مهم حول تأثير وقف حبس المدين على النشاط الاقتصادي الأردني، خاصة أن كثير من المعاملات التجارية في الأردن تتم عبر شيكات بنكية مؤجلة كان الحل في حال عدم سدادها حبس الشخص الذي كتبها.

الخبير الاقتصادي وعضو غرفة صناعة عمان، موسى الساكت، يرى أن "قرار وقف حبس المدين له تداعيات  على الأمد المتوسط والقصير والطويل، مثلا البنوك لن تتأثر ذلك التأثير الكبير، وسيكون الضرر عليها أقل لأنها تأخذ ضمانات، وبالتالي لم يتغير عليها شيء".

ويضيف الساكت في حديثه مع "عربي21"، "أما فيما يتعلق بالتجار والصناعيين سيكونون هم الأكثر تأثراً على الأمد الطويل والمتوسط وحتى على الأمد القصير، وهذا التأثير ذو شقين، الشق الأول بما يتعلق بالتحري والتريث في بيع البضائع، لأنهم يريدون التأكد من ملائة العميل".

وتابع، "الشق الأخر اليوم طريقة البيع والشراء في السوق الأردني مختلفة عن كثير من الأسواق الأخرى، بمعنى الآجل هو سيد الموقف، بالتالي من الصعب أن يتغير أسلوب عمل التجار والصناعيين والعملاء ويحتاج هذا الأمر إلى وقت".

ويأمل الساكت أن تتغير الأمور على المدى البعيد وأن يصبح هناك أنظمة رقابة، مضيفا، "لكن في الأمد القصير والأمد المتوسط سيؤدي هذا القرار إلى تقليل النشاط الاقتصادي بشكل ملحوظ".

اظهار أخبار متعلقة



إنهاء النشاط الاقتصادي الوهمي
بالمقابل، يرى الخبير المالي والاقتصادي، وليد أبو هلال، أنه "على الرغم من أن هناك جهات متضررة أو تشعر أنها ستتضرر وخاصة التجار والصناعيين إلا أنه يرى أن هذا القرار يصب في مصلحة النشاط الاقتصادي في الأردن، بل حتى أنه يصب أيضا في مصلحة الجهات القضائية، والمجتمع ككل".

وتابع أبو هلال خلال حديثه لـ"عربي21"، "وفق ما أعلم حبس المدين لا يُطبق إلا في الأردن، وهو ما أدّى بالتعاملات التجارية بأن تكون أشبه بالفوضى".

وضرب مثال على ذلك بالقول، "دأب التجار على استعمال الشيكات البنكية كوسيلة للدفع بطريقة مكثفة قد تتجاوز 70 في المئة من التعاملات التجارية".

وأكمل، "إنّما الآن وبعد وقف حبس المدين المُؤمّلْ من التجار أن يصبحوا أكثر حذرا في التعامل بالشيكات، وبالتالي سيتخلص السوق من أشباه التجار الذين كانوا يستخدمون هذه التعاملات دون ملائة مالية حقيقية تدعم التزاماتهم من الشيكات وخصوصاً المُؤجلة منها".

وحول حجة معارضي القرار بأنه سيحد من النشاط الاقتصادي في البلد، قال أبو هلال، "النشاط الاقتصادي أصلا كان وهمياً، بمعنى حينما يتعامل تاجر الجملة أو المُصنع مع 100 تاجر تجزئة يكون مثلا 70 في المئة منهم موثوقين و30 في المئة مبتدئين، عندها يعتري العملية التجارية عمليات نصب".

ويرى الخبير المالي وليد أبو هلال، أن "النشاط الاقتصادي حينما يعتمد على تعاملات مالية غير مضمونة هو نشاط اقتصادي وهمي، وعلى العكس هذا النشاط الاقتصادي الوهمي قد يضر باقتصاد البلد الكلي والاقتصاد المُجتمعي".

وأضاف، "أيضا هناك قضية أخرى وهي أنه في الأردن هناك طريقة تعامل مالي تسمى تجيير الشيكات – أي تجيير الشيك من مستحقه الأساسي لشخص أخر -، وخلال تعاملاتي المالية خارج الأردن لم أرى مثل هذه الطريقة، وهذه الطريقة أدت إلى وجود زخم كبير في القضايا المالية المرفوعة أمام القضاء نتيجة تعدد الأشخاص الذين يُجيرون نفس الشيك الذي لا وجد رصيد في البنك يغطيه".

ولفت إلى أن "هذا القانون سيساعد في غربلة وفلترة التجار والمعاملات التجارية في البلد، بمعنى حينما لا يكون هناك حبس للمدين، عندها سيحرص المُصنّع أو كبار التجار على التحقق من الملائة المالية لزبائنهم قبل البيع بالشيكات، وبالتالي التخلص من المحتالين".

وأكمل، "ايضا عدم الحبس سيدفع لاستخدام طرق أخرى لحفظ الحق ومنها الرهن العقاري وقد بدأنا نرى أمثلة من ذلك خصوصاً في حالات البيع للعملاء الكبار".

وأوضح أن "هناك فوائد أيضا لهذا القرار في الجانب الاجتماعي، فحينما تسجن المدين فإنك تقوم بتشريد عائلة كاملة خصوصاً إذا كان هذا المدين المسجون هو المُعيل الوحيد لها، وبالتالي الضرر لا يشمله هو فقط، بل يشمل أسرته كاملة بما فيها زوجته وأطفاله".

وخلص بالقول، "لذلك اعتقد أن ما قامت به الحكومة منطقي ونأمل أن يساهم هذا القرار في تنشيط الوضع الاقتصادي في البلد، وأن يساهم في غربلة وفلترة التجار للتخلص من أشباه التجار، أو بمعنى آخر النصابين"
التعليقات (0)