نظّمت جمعية ضحايا التعذيب (AVTT) واللجنة من
أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في
تونس (CRLDHT) ندوة صحفية، في النادي السويسري للصحافة
بجنيف، تحت عنوان: "الرهانات
القانونية والديمقراطية في تونس: مواطنون يلجؤون إلى العدالة الدولية".
شهدت الندوة الكشف عن دعاوى دولية غير
مسبوقة رفعها نشطاء تونسيون أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمحكمة
الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، احتجاجًا على ما وصفوه بـ"الانحراف
الاستبدادي" والانتهاكات التي طالت الحقوق والحريات خلال الانتخابات الرئاسية
الأخيرة.
الدعاوى الدولية وأهدافها
تتعلق هذه الدعاوى بشكوى أمام مجلس حقوق
الإنسان والأخرى أمام المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، حيث تثير بشكل
رئيسي انتهاكات حقوق الإنسان وغياب ضمانات الحق في الوصول إلى العدالة، إضافة إلى
المسّ بحق المشاركة السياسية لكل مواطن في إدارة شؤون بلده.
وأوضح الأستاذ بلغيث، محامي المُدّعين، أن
هذه الإجراءات تأتي ضمن إطار التقاضي الاستراتيجي الدولي كأداة نضالية لاستعادة
دولة القانون وإنقاذ مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
وقد أسّس المحامي محاضرته على ثلاثة محاور
رئيسة:
المحور الأول ـ المناخ ما قبل الانتخابات
تم التنديد خلال الندوة بالمراسيم الرئاسية
التي قيدت الحريات وهدّدت استقلالية القضاء، مثل حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب
واستبداله بمجلس مؤقت يعينه الرئيس قيس سعيد، الذي منح نفسه صلاحيات مطلقة لعزل
القضاة دون ضمانات قانونية، مع إحالة آلية أمام هيئات جزائية. ولفت المحاضر إلى
استمرار منع قضاة حازوا على قرارات قضائية بوقف التنفيذ من ممارسة عملهم حتى
اليوم، ودور القضاء الخاضع للسلطة التنفيذية في اضطهاد مرشحين محتملين ومعارضين.
كما أشار إلى المرسوم 54/2022 الذي أُستخدم
لقمع الحريات الإعلامية وفرض الرقابة الذاتية، مما خلق مناخ خوف وترهيب في المجتمع.
المحور الثاني ـ الإطار القانوني
تناول الأستاذ بلغيث تشويه القانون
الانتخابي عبر مراسيم رئاسية عدة، ومخالفات دستورية متعددة شملت: انتهاك مرجعية الدستور
(2014 و2022)، تجاهل مبدأ تراتبية القوانين بإصدار مراسيم تلغي أو تعدل قوانين
وأحكام دستورية، إلغاء آليات الرقابة القضائية على النصوص الرئاسية، عدم احترام
قرارات المحاكم الوطنية والدولية ذات الصلة، تغييرات مفاجئة في جدول الانتخابات
وتعديل اختصاصات المحاكم المكلفة بالنزاعات الانتخابية بما يخدم السلطة التنفيذية.
المحور الثالث ـ خروقات الهيئة الانتخابية
انتقد المحامي الإجراءات الشكلانية التي
اتبعتها الهيئة الانتخابية المعينة من الرئيس، والتي أدت إلى استبعاد عدد من
المرشحين بطرق غير قانونية، ورفض تنفيذ قرارات القضاء الإداري التي ألزمت بإعادة
ترشيح بعض المرشحين. كما أشار إلى الحملات الانتخابية المحدودة والمضايقات الأمنية
ضد بعض المرشحين، وعدم وجود مراقبين مستقلين، مما يثير الشكوك حول نزاهة النتائج.
وأكد على وجود عزوف انتخابي كبير كشف
"أسطورة شعبية" الرئيس المترشح، على الرغم من إعلان الهيئة فوزه بنسبة
ساحقة.
الرد على الاتهامات والتطلعات المستقبلية
في الإجابات عن أسئلة الحضور، نفى الأستاذ
بلغيث صحة الادعاءات المتعلقة بالتدخل الأجنبي، مؤكداً أن التقاضي الدولي هو
ممارسة طبيعية لالتزامات الدولة واحتراماً لسيادتها، وينافي دعاوى النظام الشعبوي.
وأشار إلى أن اللجوء إلى المحاكم الدولية
يمثل شكلاً من أشكال العدالة، وإن كان جزئياً، ويعتبر خطوة استباقية في مسار
العدالة الانتقالية، لا ينتظر الضحايا فيها استعادة دولة القانون. كما أن انسحاب
تونس من الإعلان الخاص بقبول اختصاص المحكمة الإفريقية يؤكد تأثير أحكام المحكمة
على النظام القائم.
دعت الجمعيات الحقوقية ضحايا الانتهاكات في
تونس إلى تقديم شكاوى للمحكمة الإفريقية قبل أبريل 2026، معلنة عن الطعن الذي
قدّمه الأستاذ بلغيث في قرار الانسحاب أمام المحكمة الإفريقية.
وفي ختام الندوة، شدد المحامي على أهمية
تذكير التونسيين بعدم شرعية سلطة قيس سعيد التي تمثل الثورة المضادة، معرباً عن
أمله في عودة المسار الديمقراطي التونسي مستفيدين من دروس الماضي.
اظهار أخبار متعلقة