أصدرت هيئة "مكتب الطلاب الرقابية" (Office for Students) في
بريطانيا
توجيهات جديدة حاسمة تمنع
الجامعات الإنجليزية من فرض حظر شامل على احتجاجات
الطلاب، مشددة على ضرورة حماية حرية التعبير، حتى عند التعامل مع القضايا المثيرة
للانقسام، مثل الحرب في غزة أو الآراء المثيرة للجدل حول الهوية الجندرية.
ووفق صحيفة "الغارديان" التي
أوردت الخبر، فإن التوجيهات التي نُشرت بالتزامن مع بدء العد التنازلي لتطبيق
"قانون حرية التعبير في التعليم العالي" المقرر في آب / أغسطس المقبل،
تمثل تغييراً جذرياً في علاقة الجامعات بحركات الطلاب. وتشير إلى أن فرض قيود
دائمة على احتجاجات مثل الاعتصامات
التضامنية مع غزة، كتلك التي شهدتها جامعة
كامبريدج، لم يعد مقبولاً. ومع ذلك، فإن الجامعات مطالبة بمنع الاحتجاجات التي
تتسم بـ"الكثافة والشدة والتطفل" إذا ما تسببت في ترهيب الطلبة اليهود،
بحسب النص الرسمي.
كما دعت الهيئة الجامعات إلى ضمان حرية
التعبير للمتحدثين الزائرين، ومنع ممارسات "الإبلاغ عن الآخرين" بسبب
آرائهم القانونية، وعدم الضغط على الأكاديميين لتأييد وجهات نظر بعينها. وأكدت أن
التعبير عن وجهات نظر مثيرة للجدل لا يجب أن يُقابل بعقوبات إدارية طالما لم يتضمن
خطاب كراهية أو تحريضًا.
وفي خطوة غير مسبوقة، ستُلزم التوجيهات
الجامعات بعدم محاسبة الطلبة والموظفين بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل
الاجتماعي طالما كانت ضمن حدود القانون، حتى وإن أثارت جدلاً أو أضرت بسمعة
المؤسسة.
وتأتي هذه التوجيهات، وفق الغارديان، بعد أن
فرضت الهيئة نفسها غرامة قدرها 585 ألف جنيه إسترليني على جامعة ساسكس لفشلها في
حماية حرية التعبير للأكاديمية كاثلين ستوك، التي واجهت موجة احتجاجات على خلفية
آرائها حول قضايا الجندر.
وأضافت الصحيفة: "رغم الترحيب الواسع
بالتوجيهات من حيث المبدأ، اعتبر خبراء قانونيون أنها لا تزال تفتقر إلى الحسم في
بعض القضايا الدقيقة والمعقدة. وقال جوليان سلادين، المختص في تنظيم قطاع التعليم
العالي، إن التوجيهات تقدم "قدرًا من الوضوح"، لكنها تترك الكثير للمؤسسات
كي تبتّ فيه بمفردها، خاصة في ظل ما وصفه بـ"الضغوط الزمنية والصراعات
المستمرة داخل الحرم الجامعي".
من جانبه، كشف استطلاع للرأي أجرته الهيئة
وشمل أكاديميين بريطانيين أن 21% منهم لا يشعرون بالحرية الكاملة لمناقشة الأفكار
الحساسة داخل صفوفهم الدراسية، وهي نسبة تعكس تصاعد القلق من "تأثيرات
التكميم غير المباشرة" على حرية الفكر والنقاش داخل البيئة الأكاديمية.
وحسب "الغارديان" فإن هذه
التوجيهات تفتح الباب لمراجعة شاملة للحدود المرسومة بين حرية التعبير وحقوق
المجموعات المتضررة، وسط انقسامات عميقة داخل الجامعات البريطانية، التي باتت
مسرحاً لصراعات أيديولوجية في زمن تتسارع فيه موجات الاحتجاج حول العالم.
وقال الناشط
الفلسطيني في بريطانيا، عمر مفيد، في تصريحات خاصة لـ
"عربي21" إن العديد من الجامعات البريطانية متورطة منذ سنوات في علاقات مالية وأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ تستثمر ما يزيد عن 500 مليون جنيه إسترليني في شركات متواطئة مع الاحتلال، بما في ذلك شركات تصنيع الأسلحة التي تُرسل مباشرة للجيش الإسرائيلي.
وأشار مفيد إلى أن التواطؤ لا يقف عند حدود الاستثمار، بل يمتد إلى سياسات داخلية "تقمع الأصوات الداعمة لفلسطين داخل الحرم الجامعي"، حيث يتم التضييق على الفعاليات المؤيدة للقضية الفلسطينية، وفصل طلاب وتهديد آخرين شاركوا في أنشطة تضامنية، بل وصل الأمر إلى إصدار قرارات قضائية بحق بعضهم، كما حدث في جامعات كوينزبيري، لندن، وكامبريدج.
وأوضح أن جامعات مثل ليدز "لا تكتفي بالاستثمار في شركات الأسلحة الإسرائيلية، بل توظف أيضاً جنوداً سابقين في الجيش الإسرائيلي داخل طواقمها الأكاديمية والإدارية"، ما يعكس - بحسب مفيد - "انحيازاً مؤسسياً واضحاً".
وبالرغم من ترحيبه بقرارات الجامعات الأخيرة التي تدعو لحماية حرية التعبير، إلا أن مفيد أبدى قلقه مما وصفه بـ"معاداة منظمة للفلسطينيين" في بريطانيا، مشيراً إلى حالات توقيف وتحقيق تعسفية طالت فلسطينيين بارزين، مثل الدكتور سلمان أبو ستة، الذي داهمت الشرطة منزله للتحقيق معه.
وختم مفيد بالقول: "رغم أن قرار السماح بحرية التعبير داخل الجامعات خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الشعور السائد هو أن هناك تمييزاً ممنهجاً ضد الفلسطينيين يجب الاعتراف به ومعالجته بوضوح".
وقانون حرية التعبير في التعليم العالي في
بريطانيا، المعروف باسم Higher
Education (Freedom of Speech) Act، دخل حيز التنفيذ لتعزيز حماية حرية التعبير
داخل الجامعات. يهدف القانون إلى ضمان تمكين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والزائرين
من التعبير عن آرائهم وأفكارهم بحرية دون خوف من الرقابة أو العقوبات التعسفية.
كما يلزم الجامعات باتخاذ إجراءات فعالة
لمنع أي محاولات لإسكات الأصوات القانونية، سواء عبر الحظر أو التضييق على
الفعاليات والنقاشات، ويضع ضوابط واضحة للتعامل مع المحتوى المثير للجدل أو
الخلاف. هذا القانون يمثل خطوة مهمة في مواجهة محاولات القمع الفكري داخل الحرم
الجامعي، مع الحرص على تحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع الجامعي من
الإساءة أو التحريض.
وشهدت التحركات الطلابية المناصرة لفلسطين
في بريطانيا تضييقات متزايدة من قبل بعض الجامعات، حيث اتخذت إجراءات صارمة ضد
المشاركين في هذه الفعاليات. فقد أصدرت جامعة كوليدج لندن (UCL) قرارات بفصل سبعة طلاب بسبب مشاركتهم في
احتجاجات التضامن مع فلسطين التي انطلقت في مايو من العام الماضي، كما قامت جامعة SOAS بفصل طالب
واحد خلال حزيران / يونيو العام الماضي لنفس السبب.
اظهار أخبار متعلقة