شهد
المغرب في السنوات الأخيرة تسارعًا في
وتيرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في إطار ما وصفته الجهات الرسمية بأنه “قرار
سيادي” يخدم مصلحة الدولة في حماية وحدتها الترابية وتعزيز موقعها الإقليمي.
إلا أن هذا المسار لم يخلُ من انتقادات
واسعة في الأوساط السياسية والدينية، خاصة في ظل تزايد وتيرة التعاون العسكري،
الذي بلغ ذروته بمشاركة وحدات من جيش الاحتلال، بينها “لواء غولاني”، في مناورات
“الأسد الإفريقي” فوق الأراضي المغربية، بينما كانت غزة تشهد مجازر دموية.
موقف بنكيران.. كسر للصمت السياسي
أثار الأمين العام لحزب العدالة والتنمية،
عبد الإله بنكيران، عاصفة من
الجدل بعد تصريحه الرافض للمشاركة الإسرائيلية في
مناورات عسكرية بالمغرب.
وخلال كلمة له في لقاء حزبي مؤخرا، قال إن
وجود جيش “يحارب أمة الإسلام” فوق التراب المغربي “لا يجوز شرعاً ولا ديمقراطياً”،
داعياً الدولة لوقف أي تعاون عسكري مع “هذه الدولة المارقة”، على حد تعبيره.
ورغم أن بنكيران لم يوجّه أي انتقاد مباشر
للمؤسسة العسكرية المغربية، إلا أن الهجوم الإعلامي والسياسي عليه جاء عنيفاً،
ووُجهت له اتهامات بـ”التطاول على المؤسسات”، في حين شدد حزبه على أن كلامه لم يمس
القوات المسلحة الملكية، التي تحظى بالتقدير.
الريسوني يدافع: "لا يصح إلا الصحيح"
في خضم الهجمة على بنكيران، خرج الدكتور
أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بموقف داعم بشدة،
معتبراً أن بنكيران هو السياسي الوحيد الذي "قال كلمة الحق، ونصح دولته،
وأبرأ ذمته".
وأشاد الريسوني بموقفه الرافض لاستضافة جنود
الاحتلال، واصفاً إياه بأنه يعكس ضمير المغاربة الرافضين للتطبيع.
وأكد أن صمت الأحزاب السياسية عن هذا الحدث
الخطير يُعدّ تقصيراً، مشدداً على أنه "كان ينبغي اعتقال جنود الاحتلال
ومحاكمتهم بدل تدريبهم". كما اعتبر أن الهجوم الإعلامي على بنكيران أشبه
بـ”النباح” الذي لا يغيّر من الحقيقة شيئاً: “لا يصح إلا الصحيح”، ختم الريسوني.
محمد يتيم: "غرفة الفار" وتضخم
بلا شرعية
في خضم هذا الجدل، برز موقف محمد يتيم، عضو
الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي وجّه انتقادات لاذعة لما أسماه
"غرفة الفار"، في إشارة إلى الأصوات الإعلامية التي هاجمت بنكيران،
معتبراً أنها لا تمثل موقف الدولة الرسمي، بل تحاول لعب دور "المناديب على
الحكم" دون اختصاص أو أهلية. وأكد يتيم أن
تصريحات من يرفعون شعار "كلنا
إسرائيليون" لا تجد صدى لدى عموم المغاربة، بل تزيد من تعاطفهم مع مواقف
بنكيران المدافعة عن القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الدولة، بدستورها واختصاصات
رأسها، لم تُبدِ أي انزعاج من التعبيرات الشعبية المنددة بالتطبيع، ولا من النقد
السياسي الذي يعبّر عنه فاعلون وطنيون. وختم يتيم بالإشادة بأمثال أحمد ويحمان
وعزيز هناوي، معتبراً أنهم يشكلون امتداداً وطنياً صادقاً للنضال من أجل فلسطين.
حميد زيد: بنكيران ضرورة لاستمرار النقاش
السياسي
من جهته، كتب الصحافي حميد زيد مقالة ساخرة ـ
لاذعة في الآن ذاته ـ شدد فيها على أن وجود بنكيران في الحياة السياسية هو "تعويض
جماعي" لكل المغاربة، في ظل انعدام النقاش الحقيقي داخل المؤسسات. وقال زيد: "لولا
بنكيران لتوقفت مواقع، لاختفت أحزاب، ولصمت الإعلام"، مضيفاً أن الرجل يمنح "التوازن
النفسي والسياسي في بلد كل شيء فيه أصبح يأتي من الدولة".
واعتبر أن مهاجمة بنكيران تحوّلت إلى رياضة
جماعية، تُخفي في طياتها غياب أي بديل سياسي أو معارض فعلي، مشيراً إلى أن كل
الأحزاب تسير في فلك “برنامج واحد للدولة”، مما يجعل من بنكيران حالة استثنائية.
يونس مسكين: هل أصبح الرأي جريمة؟
بدوره، أبدى الإعلامي والكاتب يونس مسكين
دهشته من حجم الحملة ضد بنكيران، مؤكداً أن الرجل عبّر عن رأي سياسي معارض ضمن
الإطار الدستوري، دون أن يمس الجيش أو يحرض عليه. وكتب مسكين: "جيشنا ليس
جيشاً من ورق ولا يحتاج لحماة افتراضيين"، معتبراً أن المشكلة ليست فيما قاله
بنكيران، بل في "من قاله" وفي رمزية موقعه السياسي.
وأضاف: "تحويل الرأي إلى جريمة، والرأي
المخالف إلى مؤامرة، لا يفضي إلا إلى تعميم الخوف، وإلى مجتمع يخرس فيه الجميع".
وأكد أن أحد مؤشرات الديمقراطية هو خضوع المؤسسات العسكرية للرقابة المدنية
والنقاش العمومي، وهو ما يجب أن يتوسع لا أن يُقمع.
بين السيادة الوطنية واستحقاقات التحالفات
الإقليمية
في خضم هذا السجال، تبرز أصوات تحذر من أن
الاندفاع في التطبيع، خصوصاً في الشق العسكري، قد يؤدي إلى اهتزاز العلاقة بين
الدولة والمجتمع.
ويرى أحمد ويحمان رئيس المرصد المغربي
لمناهضة التطبيع أن هذه التطورات تضع المغرب أمام معادلة دقيقة بين الحفاظ على
مصالحه الاستراتيجية في مواجهة تحديات إقليمية، أبرزها ملف الصحراء، وبين الحفاظ
على وحدة الموقف الداخلي واحترام الرموز الوطنية الجامعة، وعلى رأسها القضية
الفلسطينية.
كما يُنبه ويحمان إلى أن اختراق الجيش
الإسرائيلي للتراب المغربي ـ ولو في إطار مناورات ـ هو تجاوز لخطوط رمزية تتعلق
بالذاكرة والسيادة، لا يمكن تبريرها بالمكاسب السياسية.
اظهار أخبار متعلقة