ملفات وتقارير

كيف يغير قرار حل "العمال الكردستاني" موازين السياسة في تركيا والمنطقة؟

"العمال الكردستاني" أعلن حل نفسه وإنهاء الصراع مع الدولة التركية- جيتي
"العمال الكردستاني" أعلن حل نفسه وإنهاء الصراع مع الدولة التركية- جيتي
وضعت تركيا نقطة النهاية على صراعها الدموي مع تنظيم حزب العمال الكردستاني والذي كان أحد أطول النزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضع المشهد التركي والإقليمي أمام تحول جذري في ما يتعلق بالقضية الكردية.

وتوصل حزب العمال الكردستاني المدرج على قوائم الإرهاب في أنقرة، الاثنين، إلى قرار حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع الدولة التركية، تاركا الباب مفتوحا أمام الأحزاب السياسية الكردية من أجل "تطوير الديمقراطية الكردية وضمان تشكيل أمة كردية ديمقراطية".

ويأتي الإعلان الذي وصف بالتاريخي عقب جهود قادها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحليفه زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، لإنهاء ملف الصراع، ضمن مساعي أنقرة لتحقيق هدف "تركيا خالية من الإرهاب".

اظهار أخبار متعلقة


ويرى باحثون تحدثوا لـ"عربي21" أن حل التنظيم ينعكس بشكل مباشر على العديد من دول المنطقة بما في ذلك العراق وسوريا، التي شهدت خلال السنوات الماضية عمليات عسكرية تركية ضد قوات العمال الكردستاني وامتداداته العسكرية.

وفي سوريا، تعتبر أنقرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المتحالفة مع التحالف الدولي، والتي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية "YPG"عمادها العسكري، امتدادا لحزب "العمال الكردستاني".

وتأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، في أجواء سياسية شديدة الاستقطاب، كانت تركيا تعاني فيها من اضطرابات داخلية وصدامات أيديولوجية بين اليسار واليمين.

وعام 1984، أعلن العمال الكردستاني بقيادة أوجلان "الكفاح المسلح" ضد تركيا، ما أدخل البلاد في دوامة من الصراع والعنف المتبادل.

"تحول جذري في المشهد التركي"
ويرى المحلل التركي عمر أوزكيزيلجيك، أن قرار حل التنظيم يُعد مكسباً كبيراً لتركيا، حيث يمكن توجيه التكاليف والخسائر الناتجة عن الصراع مع الحزب إلى مجالات أخرى.

ويوضح أوزكيزيلجيك في حديثه مع "عربي21"، أن إنهاء الصراع المسلح مع العمال الكردستاني يمكن تركيا من أداء دور أكثر فعالية ونشاطاً على الساحة الإقليمية والدولية.

بدوره، يشير الباحث التركي علي أسمر إلى أن الحدث يشكل تحولا جذريا في المشهد السياسي التركي، موضحا أن هذا القرار يُعد على الصعيد الداخلي التركي "انتصارا رمزيا واستراتيجيا" للرئيس أردوغان، ويُعزز من "سرديته في مكافحة الإرهاب كأحد أعمدة حكمه".

وفي أول تعليق له على الحدث، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلاده تسير بخطى ثابتة نحو هدفها المتمثل في "تركيا خالية من الإرهاب".

وأضاف أردوغان في كلمة له عقب اجتماع للحكومة التركية، "مع خروج الإرهاب والعنف من المعادلة ستُفتح أبواب مرحلة جديدة بكل المجالات في مقدمتها تعزيز القدرات الديمقراطية للعمل السياسي".

اظهار أخبار متعلقة


وشدد الرئيس التركي على أن أنقرة تعتبر قرار حل حزب العمال الكردستاني نفسه شاملا لكل امتدادات التنظيم في سوريا وشمال العراق وأوروبا.

ويلفت أوزكيزيلجيك إلى أن حل العمال الكردستاني من شأنه أن يغير بشكل جذري أرضية النقاش والديمقراطية في السياسة الداخلية التركية. إذ ستنقلب التوازنات السياسية الحالية تماماً، وستُتاح ممارسة السياسة في بيئة أكثر حرية وراحة، بعيداً عن ظلال السلاح والتهديد.

وهو ما يفتح الطريق أمام مرحلة تطبيع أقرب وأكثر احتمالا في الساحة الداخلية التركية، وفقا للباحث التركي.

أصداء إقليمية
إقليميا، يرى أسمر أن حل التنظيم "سيلاقي أصداء مهمة في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فيما يتعلق بمستقبل المجموعات الكردية المسلحة في سوريا، ومعايير التعامل مع اللاجئين والمنفيين السياسيين".

ويلفت أسمر في حديثه مع "عربي21"، إلى أن الحدث "سيكون له ارتدادات إقليمية عميقة"، موضحا أن تركيا قد تستغل التطور "لإعادة صياغة المعادلة في سوريا، وفرض شروط جديدة على وحدات الحماية الكردية لحل نفسها، وربما حتى تعزيز التنسيق الأمني مع الحكومة السورية الجديدة".

ودأبت تركيا على تلويح بتنفيذ عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد شمالي شرقي سوريا قبل سقوط النظام، فيما تراقب أنقرة اليوم تنفيذ الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والذي يقضي بدمج "قسد" ومؤسساتها العسكرية والمدنية في الدولة الجديدة.

وتتقارب وجهات نظر أنقرة ودمشق الجديدة تجاه ملف المسلحين الأكراد، فقد كان نظام الأسد المخلوع الذي احتضن زعيم العمال الكردستاني عبد الله أوجلان نهاية القرن الماضي، عاملا في توتر العلاقات بين الجانبين.

وتؤكد الحكومة السورية الجديدة على رفضها "اللامركزية" وتشديدها على وحدة البلاد ورفض المشاريع الانفصالية، وهو توجه دأبت أنقرة على دعمه خشية أن تمتد أي نزعة انفصالية إلى داخل حدودها.

ويوضح الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني أن "حزب العمال الكردستاني تنظيم قائم على الدعم الخارجي ويعتبر مؤسسه الحقيقي نظام الأسد الأب من خلال ما قدمه من دعم مادي وعسكري له بهدف استخدامه لمناكفة تركيا، وبالتالي فإن حل التنظيم لنفسه يؤكد على استخدام نظام الأسد هذه الأذرع للمتاجرة بها والابتزاز لتحقيق نفوذه الإقليمي".

ويشير في حديثه لـ"عربي21"، أن "حل التنظيم لنفسه أول ما ينعكس على المكون الكردي في تركيا وسوريا بشكل خاص ويكف أنشطة الحزب عن تعبئة الشباب الكرد في حرب عبثية لا طائل منها مع حكومات المنطقة، وبالتالي كف يد التنظيمات دون الدولة عن أنشطتها في الإقليم والتحول تدريجيا لبسط السلام والاستقرار في المنطقة، والتوجه إلى الحوار لحل كافة المشاكل".

ويشير حوراني إلى أن "النزاعات في المنطقة  أخذت بعد سقوط الأسد تميل إلى اعتماد لغة الحوار والتفاوض وصولا إلى حل يرضي الأطراف المعنية، والابتعاد عن العنف والسلاح لما له من آثار كارثية أول ما تنعكس على الدول الأوربية وأمريكا لما تحمله عليها من كلفة تلك الحروب، وهذا الأمر ينطبق على حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري قسد".

كما يشدد أوزكيزيلجيك بدوره على أهمية تأثير القرار على سوريا ووحدتها، مشيرا إلى أن  "دمج وجود قوات YPG وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا وشرق الفرات ضمن الدولة السورية، بات الآن أكثر واقعية وإمكانية، بل وأسهل من ذي قبل".

ما الخطوات القادمة؟
في حين يعد القرار التاريخي منعطفا محوريا في المشهد الإقليمي بشكل عام والتركي الداخلي بشكل خاص، إلا أن مراحل تنفيذه قد يواجه العديد من الصعوبات، حسب أسمر.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي وصف إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه وإلقاء السلاح بأنه "قرار تاريخي"، أوضح في تصريحات صحفية أن هناك الكثير من التفاصيل بشأن تنفيذ قرار إلقاء السلاح.

ويرى أسمر أن إعلان حل التنظيم "لا ينهي الأمر"، موضحا أن "مخلفات العمال الكردستاني من شبكات تمويل وخلايا نائمة وبيئات حاضنة ما تزال قائمة، وتتطلب عملا طويل الأمد، أمنيا وفكريا واجتماعيا، لضمان عدم تجدد الظاهرة بمسميات جديدة".

اظهار أخبار متعلقة


ولا تزال تفاصيل تنفيذ عمليات تسليم السلاح إلى تركيا دون جدول زمني أو مواقع معلن عنها. ويقول أوزكيزيلجيك إن المسألة الأساسية تتمثل في تحديد المواقع التي سيتم فيها ذلك.

ويضيف أنه "من المرجح اختيار بعض النقاط داخل العراق لهذا الغرض، حيث يُتداول الحديث عن مدن مثل أربيل ودهوك والسليمانية، وقد يكون سنجار أيضاً من بين الاحتمالات المطروحة".

وفي هذه المناطق، بحسب الباحث التركي، يمكن تتبع عملية التسليم من خلال تنسيق مشترك بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية وجهاز الاستخبارات التركي.

بينما يشدد أسمر على أن العراق "سيواجه تحديا أمنيا وسياسيا كبيرا، خصوصا في مناطق مثل سنجار وقنديل"، مشددا على أن "الحكومة العراقية، ومعها إقليم كردستان، ستكونان مطالبتين بلعب دور مباشر في تنفيذ الاتفاق وضبط الحدود ومنع ظهور أي بدائل مسلحة".
التعليقات (0)

خبر عاجل