توفي علامة الأديان والدراسات اليهودية
الدكتور أحمد محمد هويدي، الثلاثاء الماضي السادس من مايو، ورغم أني لم ألتق
بالراحل الكبير، وليس لي معه سوى مكالمة هاتفية، ومطالعة كتبه، إلا أنني لمست من
المكالمة الطويلة، خلقا ونبلا نادرين في زماننا في ساحة الباحثين والعلماء، كنت
أبحث في مسألة هل النصوص التي وردت عن سلوكيات اليهود في القرآن الكريم، هل حديث
عن نمط سلوكي متوارث ودائم، أم أنه خاص بشخصيات معينة، في زمن معين، وليس نمطا
سلوكيا مرتبطا بديانة، وجرنا الحديث لقضايا أخرى في الأديان ودراستها.
كما نلمس فيه وفاء نادرا لأساتذته، فعندما
يأتي الحديث عن سؤال، فيكون هناك معلومة أو سطر من الإجابة لها علاقة بأحد
أساتذته، يشير إليه باعتزاز وإشادة، وإلى كتابه، داعيا إلى دراسة أوسع لفكر
أستاذه، في هذه المسألة، وغيرها، لمست ذلك عند حديثه عن المرحوم الدكتور محمود
حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، والمتخصص في الاستشراق، وكذلك حديثه عن أستاذه
الدكتور محمد خليفة حسن، وهو أستاذ متخصص في اليهودية والدراسات الإسرائيلية، وله
بحوث في غاية الأهمية والنفاسة عن المجتمع الإسرائيلي وقياداته السياسية والدينية.
كان من آخر ما سعى إليه الدكتور هويدي، بناء
جسر بين الأزهر والكليات الأخرى خارج الأزهر التي تعنى بدراسة الأديان، وهو توجه
عظيم ينم عن شخصية عظيمة، فإن دراسة الأديان خارج الأزهر خطت خطوات سباقة ومهمة،
وبخاصة ما قامت به كلية الآداب جامعة القاهرة، من إنشاء قسم متخصص في ذلك، قام على
إنشائه الدكتور محمد خليفة حسن، بمعاونة تلميذه النجيب أحمد هويدي، والذي عني بنشر
دراسات تحت عنوان: فضل الإسلام على اليهود واليهودية.
حول هويدي إتقانه للعبرية والألمانية إلى خطة عمل، بنظرة عاجلة إلى السلاسل التي قام بالإشراف عليها، بناء على تأسيس هويدي لها، نعرف كم كان يحمل الرجل من عقل وروح وثابة في عالم الفكر والعطاء، فقام بتأسيس سلسلة مهمة بعنوان: دراسات يهودية وإسرائيلية، وصدر منها عشرون كتابا حتى الآن، تنوعت بين الدراسات اللاهوتية، والفنية والسياسية، ودراسة المجتمع اليهودي بتفاصيله، سواء كانت هذه الكتب مترجمة عن العبرية، أم مكتوبة بأقلام باحثين كبار في مجالهم.
أتقن هويدي اللغة العبرية والألمانية
بطلاقة، وترجم عنهما كتبا عديدة، كانت مهمة في مجال دراسة الأديان، واليهودية بشكل
خاص، وبخاصة منها ما تعلق بنقد الكتاب المقدس، ومنهج نقده، فترجم كتب يوليوس
فلهاوزن وغيره من المستشرقين في هذا الباب، ولم يكن دور هويدي مجرد الترجمة، بل
كانت تعليقاته رحمه الله، غاية في العمق، وإضافة مهمة للترجمة، فهناك من يترجم
الكتاب ويقف جهده عند ذلك، وهو عمل مشكور له، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولكن
المترجم المتمرس هو من يترجم كتابا يكون عقله فوق عقل صاحب الكتاب، فكثيرا ما يكون
الكتاب المترجم يحمل فكرة جيدة ومفيدة، لكن تحمل بين ثناياها أخطاء سواء منهجية أو
تفصيلية، تتعلق بالإسلام، فهنا يأتي دور المترجم المطلع على ما يترجم، فيكون هامش
الكتاب بنفس أهمية المتن المترجم، وهذا في
عالم الترجمة قليل، وكان معروفا بين
أجيال المترجمين القدامى، من أمثال: محمد عبد الهادي أبو ريدة، وعادل زعيتر،
وغيرهما.
وقد حول هويدي إتقانه للعبرية والألمانية
إلى خطة عمل، بنظرة عاجلة إلى السلاسل التي قام بالإشراف عليها، بناء على تأسيس
هويدي لها، نعرف كم كان يحمل الرجل من عقل وروح وثابة في عالم الفكر والعطاء، فقام
بتأسيس سلسلة مهمة بعنوان: دراسات يهودية وإسرائيلية، وصدر منها عشرون كتابا حتى
الآن، تنوعت بين الدراسات اللاهوتية، والفنية والسياسية، ودراسة المجتمع اليهودي
بتفاصيله، سواء كانت هذه الكتب مترجمة عن العبرية، أم مكتوبة بأقلام باحثين كبار
في مجالهم.
وقد كتب هويدي رحمه الله عن الهدف المنشود
من السلسلة فقال: (تهدف هذه السلسلة إلى تأمين مصدر معرفي موثوق في موضوعيته
ومنهجيته، عما يكتبه المستشرقون اليهود والإسرائيليون عن الإسلام واليهودية والعرب
وإسرائيل، وكذا إسهامات الباحثين العرب في مجالات الدراسات اليهودية والإسرائيلية
والعبرية، انطلاقا من أهمية الانفتاح على الآخر، وإعمال الحجة والمنطق دون تعصبات
دينية، أو قومية، أو علمية؛ بغية الوصول إلى جيل ذي مرجعية علمية منفتحة).
رحم الله الدكتور أحمد هويدي، الذي كان
مثالا حيا وكبيرا، للعالم الباحث في الأديان، المنصف لحقائقها، والدارس المتعمق في
تفاصيلها، لا يمنعه تمسكه وإيمانه بدينه، من المصداقية والإنصاف لدراسة الأديان
الأخرى، فيشرحها كما هي، بحقائق لا أوهام، وبوثائق من مصادرها، وهو نموذج عز نظيره
في زماننا للأسف.
[email protected]