مقالات مختارة

نتنياهو ودروز سوريا: أبعد من تكتيك مرحلي

صبحي حديدي
قانون «يهودية الدولة» يبخس الحقوق الدنيا لدروز دولة الاحتلال- جيتي
قانون «يهودية الدولة» يبخس الحقوق الدنيا لدروز دولة الاحتلال- جيتي
انتقاصية، واختزالية بالتالي، تلك النظرة إلى الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، في الساحل وريف حماة مثل ضواحي دمشق ومحافظتَيْ السويداء ودرعا؛ التي تقتصر على اعتبار الغارات والتوغلات والتحصينات مجرّد «رسائل» إلى سلطة الأمر الواقع في سوريا الجديدة، وإلى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع شخصياً. ذلك لأنّ استهداف ما تبقى من سلاح الجيش السوري، التاريخي كما يتوجب القول وليس عسكر «الحركة التصحيحية» وآل الأسد، حافظ ورفعت وباسل وبشار وماهر، خاصة الدفاع الجوي والطيران الحربي والمدفعية الثقيلة؛ بات استحقاقاً ستراتيجياً، واستطراداً: أبعد من أي تكتيك مؤقت أو مرحلي، على أجندة بنيامين نتنياهو شخصياً، وساسة دولة الاحتلال بلا استثناء عملياً.

هنا يلتقي الائتلاف الحاكم، اليميني والقومي العنصري والديني المتطرف والفاشي، مع «المعارضة» بتلاوينها كافة؛ ولا مشكلة في الترويج لهذا الاستحقاق تحت ذرائع شتى واهية مفضوحة، لا أحد يكترث حتى بتمويهها، على غرار الدفاع عن «الأقليات» عموماً تارة، أو تخصيص الدروز وحدهم تارة أخرى. وهنا يلوح أن اليهودي/ الإسرائيلي الآتي من الفالاشا، مثلاً، أقلّ تمتعاً بحنوّ نتنياهو ويائير لبيد وبيني غانتس. ولا حرج في أن يقول وزير حرب الاحتلال إنّ «من واجبنا حماية دروز سوريا من الأذى، كرمى لأخوتنا الدروز في إسرائيل، وولائهم للدولة، وإسهامهم الهائل في أمن إسرائيل»؛ فيتبارى معه غانتس، مشدداً على «تحالف قيمي مع مَن يقاتل معنا ويعيش معنا ولهم أقرباء وإخوة يتعرضون للخطر. لدينا مصلحة أمنية من الطراز الأول في حماية المناطق الخاضعة لسيطرة الدروز في سوريا».

لم يُسمع خطاب كهذا على امتداد 14 سنة من جرائم الحرب التي لم يتوقف نظام الأسد الابن عن ارتكابها في سائر سوريا، ولكن أيضاً في مناطق الدروز أينما تواجدوا وليس في محافظة السويداء فقط؛ ولم يهرع نتنياهو إلى حماية بني معروف حين تعرضوا لموجات تنكيل متعاقبة، بأسلحة النظام و«حزب الله» والميليشيات الإيرانية والأذرع الروسية والفصائل الجهادية. وضمن هذا السياق الواضح، يخطئ كثيراً أولئك الذين سارعوا إلى تأثيم دروز سوريا جماعياً، وتحميلهم مسؤولية اللعبة الإسرائيلية البغيضة، أو وضع جموعهم في سلّة واحدة مع تخرصات الشيخ حكمت الهجري مثلاً، أو ترحيل مشهد التقصير الفادح لسلطات الشرع إلى معادلة أحادية عنوانها اتّباع الشيخ موفق طريف.

ذلك كلّه لا ينفي وجود «مسألة درزية» في سوريا ما بعد انهيار نظام «الحركة التصحيحية»، أسوة بمسائل أخرى تخصّ مكوّنات إثنية أو مناطقية أو مذهبية أو طوائفية، ولكنه لا يتقاطع على أيّ نحو مباشر مع مسائل أخرى في قلب الكيان الصهيوني ذات صلة أيضاً بمكوّنات هنا وهناك؛ ليس أوضحها الانقسام القديم/ المقيم بين السفارديم والأشكنازي، وما يُثار من مزاعم افتراق بين يهودي «متدين» أو «سلفي» أو «علماني». وليس خافياً أنّ تحالف نتنياهو لا يواصل الحكم في دولة الاحتلال، وبعد «طوفان الأقصى» خصوصاً، إلا بسبب انحدار الصهيونية الراهنة إلى سوية متشددة وعنصرية يتحكم بها أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترش.

ولا جديد في التذكير بأنّ قانون «يهودية الدولة» يبخس الحقوق الدنيا لدروز دولة الاحتلال، أسوة بالفلسطينيين في مناطق 1948، ويمنح اليهود وحدهم حقّ تقرير المصير، ويُلزم جميع القوانين والتشريعات بالصدور تحت مظلة هذا المبدأ؛ وإذْ يحرم الفلسطينيين (وبالتالي أخوة «التحالف القيمي» الدروز أيضاً) من حقّ العودة، فإنه يمنح كلّ يهودي على وجه الأرض امتياز لمّ الشتات وحيازة الجنسية الإسرائيلية…

وليس خافياً، كذلك، أنّ لعبة نتنياهو هي وجه آخر من وجوه فشل دولة الاحتلال في ترويض دروز الجولان السوري المحتل؛ هؤلاء الذين كانوا الأعلى وعياً بأضرار انخراط بعض مشايخ العقل «الحجيج» الفاسد والمخطط الكريه.

نقلا عن صحيفة القدس العربي
التعليقات (0)

خبر عاجل