قال كبير مراسلي أمريكا الشمالية في شبكة "
بي بي سي"،جون سودوورث؛ إن الحرب التجارية الأمريكية الحالية لم تعد مواجهة متعددة الجبهات مع العالم، بل تحولت إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة والصين، في ساحة مألوفة للرئيس دونالد
ترامب.
ومع أن بعض الرسوم الجمركية الانتقامية التي فُرضت على دول متعددة جُمّدت مؤقتا لمدة تسعين يوما، إلا أن الرسوم العامة بنسبة 10 في المئة لا تزال قائمة، بينما واجهت
الصين، التي تمثل نحو 14 في المئة من واردات الولايات المتحدة، إجراءات أكثر قسوة، وصلت فيها الرسوم إلى 125 في المئة.
وبرر ترامب هذا التصعيد برد بكين المحتمل بفرض رسوم نسبتها 84 في المئة على السلع الأمريكية، واصفا الخطوة بأنها تعكس "قلة احترام".
وبالنسبة له، فإن هذا التصعيد هو محاولة لاستكمال ما لم يُنجز خلال ولايته الأولى، بهدف إعادة صياغة النظام التجاري العالمي الذي اعتبر الصين مركزه الصناعي.
ويرى ترامب أن من الواجب قلب المفهوم السائد القائل؛ إن تعميق العلاقات التجارية مع الصين هو مصلحة بحد ذاتها.
ويعود جذور هذا التوجه إلى ما قبل صعود ترامب السياسي، حين كانت معظم القوى العالمية ترى في توسيع التجارة مع الصين فرصة للنمو والربح، من خلال توفير سلع منخفضة التكلفة وتعزيز سلاسل التوريد العالمية.
إظهار أخبار متعلقة
وكانت الصين قد بدأت، بدعم من الدولة، تنفيذ خطة "صُنع في الصين 2025" لتزعم قطاعات صناعية استراتيجية، ما أثار قلقا متزايدا لدى صناع القرار في واشنطن.
ترامب، الذي دأب خلال حملته الانتخابية على اتهام الصين بتقويض الاقتصاد الأمريكي، أطلق شرارة الحرب التجارية في ولايته الأولى، ما أدى إلى كسر الإجماع التقليدي بشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ومع أن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن احتفظ بمعظم الرسوم الجمركية المفروضة، إلا أن التأثير على بنية الاقتصاد الصيني كان محدودا.
ووفق سودوورث، فقد نجحت الصين في تعزيز موقعها، حيث تنتج اليوم 60 في المئة من السيارات الكهربائية في العالم، وتهيمن على 80 في المئة من بطاريات تلك السيارات، معظمها من شركات محلية.
ومع عودة ترامب إلى المشهد بتصعيد جديد في الرسوم الجمركية، تواجه التجارة العالمية واحدة من أعنف الهزات في تاريخها الحديث.
ويثير هذا المشهد تساؤلين محوريين بحسب سودوورث: هل ستقبل الصين التفاوض؟ وإذا قبلت، فهل ستوافق على تقديم تنازلات كبيرة تشمل إصلاح نموذجها الاقتصادي القائم على التصدير؟ من الصعب التنبؤ برد بكين، نظرا لطبيعة النظام السياسي الصيني ورؤيته للتنمية الاقتصادية كجزء من مشروع سيادي وطني.
كما أن سيطرة
الحزب الشيوعي على المعلومات، تجعل من غير المرجح أن تنفتح الصين أمام الشركات الأجنبية بالشكل الذي تطالب به واشنطن.
إظهار أخبار متعلقة
ويبقى هناك سؤال ثالث موجه إلى الولايات المتحدة نفسها: هل ما زالت تؤمن بالتجارة الحرة؟ إذ يشير ترامب مرارا إلى أن الرسوم الجمركية ليست فقط وسيلة لتحقيق هدف، بل هي سياسة اقتصادية بحد ذاتها، تهدف إلى حماية الصناعة المحلية وزيادة الإيرادات.
وفي حال رأت الصين أن واشنطن تسعى من خلال هذه الإجراءات إلى تحقيق مكاسب داخلية لا تفاوض بشأنها، فقد تجد أن لا جدوى من المحادثات.
وهو ما قد يُفضي إلى مواجهة طويلة الأمد على الهيمنة الاقتصادية بين القوتين العظميين، في مشهد عالمي جديد يحمل في طياته الكثير من المخاطر.