سياسة دولية

انتصار رمزي كبير بسيطرة الجيش السوداني على القصر الجمهوري.. هل تنتهي الحرب؟

الجيش السوداني سيطر تدريجيًا على معظم الأجزاء الشمالية والشرقية من العاصمة- الأناضول
الجيش السوداني سيطر تدريجيًا على معظم الأجزاء الشمالية والشرقية من العاصمة- الأناضول
استعادت قوات الجيش السوداني القصر الرئاسي في وقت مبكر من صباح الجمعة في العاصمة الخرطوم، مما يشير إلى نقطة تحول محتملة في الحرب الأهلية المدمرة في البلاد، والتي تقترب الآن من عامها الثالث. 

وأكد تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن مقاطع فيديو وصورا أظهرت جنودًا يقفون منتصرين عند مدخل القصر المدمر، المطل على نهر النيل، بعد أيام من القتال العنيف مع قوات الدعم السريع، وهي المجموعة شبه العسكرية القوية التي يقاتلها الجيش.

وجاء في التقرير أن ضابطا مجهول الهوية صرخ بينما تجمع حوله جنود مبتهجون في أحد مقاطع الفيديو المنشورة صباح الجمعة: "نحن في الداخل.. نحن في القصر الجمهوري!".

وأكد وزير الإعلام السوداني والمتحدث العسكري باسمه أن القصر، رمز السلطة في السودان لقرنين من الزمان، قد عاد إلى سيطرة الحكومة.

اظهار أخبار متعلقة


 وكتب الوزير، خالد علي العيصر، على وسائل التواصل الاجتماعي: "اليوم رُفع العلم، وعاد القصر، وتستمر الرحلة حتى اكتمال النصر". 

وأوضح التقرير أن استعادة القصر كانت انتصارا رمزيا كبيرا للجيش السوداني، الذي خسر معظم الخرطوم لصالح قوات الدعم السريع في الأيام الأولى للحرب في نيسان/ أبريل 2023، تاركًا قواته محصورة في عدد قليل من القواعد المحاصرة المنتشرة في جميع أنحاء المدينة الشاسعة. 

وذكر أن هذه "الاستعادة مثّلت دفعة قوية لحملة الجيش لطرد الميليشيات شبه العسكرية من الخرطوم بالكامل، بعد ستة أشهر من هجوم مضاد ضخم رجّح كفة الحرب لصالح الجيش في النصف الشرقي من السودان، وقبل أيام، تعهد قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، بالثبات على موقفه، وقال الأسبوع الماضي في خطاب مصور من مكان لم يُكشف عنه: لا تظنوا أننا سنتراجع عن القصر".

وبيّن أن "الجيش والميليشيات المتحالفة معه، التي سيطرت تدريجيًا على معظم الأجزاء الشمالية والشرقية من المدينة، ضغطت بقوة على هدفها، ففي وقت مبكر من يوم الخميس، شنّ الجيش كمينًا عنيفًا على موكب لقوات الدعم السريع جنوب القصر، على ما يبدو أثناء محاولة قوات الدعم السريع الفرار".

وأكد التقرير أن "دوي إطلاق نار وانفجارات سُمع في جميع أنحاء العاصمة طوال معظم يوم الخميس، ويوم الجمعة، شاركت الميليشيات السودانية المتنوعة التي قاتلت إلى جانب الجيش في احتفالات النصر، وضمّوا إسلاميين متشددين؛ ومقاتلين مُحنّكين من منطقة دارفور الغربية؛ وبعض الثوار المدنيين الذين ساعدوا في عام 2019 في الإطاحة بالزعيم الاستبدادي السوداني، الرئيس عمر حسن البشير، الذي حكم البلاد لثلاثة عقود".

وكتب مصباح أبو زيد، قائد كتيبة البراء بن مالك، وهي جهة لعبت دورًا في الخطوط الأمامية مع انتقال المعركة إلى وسط مدينة الخرطوم، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الله أكبر. لقد سيطرنا على القصر الجمهوري". لكن الاستيلاء على السلطة جاء بتكلفة باهظة.

وأصاب صاروخ يُعتقد أن قوات الدعم السريع أطلقته طاقمًا من محطة التلفزيون الحكومية السودانية أثناء عملهم خارج القصر صباح الجمعة، مما أسفر عن مقتل صحفيين وسائق، كما قُتل ضابطان من الجناح الإعلامي للجيش، أحدهما مسؤول رفيع المستوى، في الهجوم.

اندلعت الحرب في السودان في نيسان/ أبريل 2023 بعد أشهر من التوتر بين القائد العسكري، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والجنرال حمدان قائد قوات الدعم السريع، وكان الرجلان قد استوليا على السلطة معًا في انقلاب عسكري عام 2021، لكنهما لم يتفقا على كيفية دمج قواتهما، بحسب ما ذكر التقرير.

وأكد التقرير أنه "كانت لقوات الدعم السريع اليد العليا خلال الأشهر الثمانية عشر الأولى من الحرب، مدعومة بدعم خارجي من رعاة أجانب، بما في ذلك الإمارات ومرتزقة فاغنر من روسيا".

وأضاف أنه "لكن منذ أن شنّ الجيش هجومًا مضادًا كبيرًا في سبتمبر، استعادت قواته ولايات في جنوب شرق السودان، ودفعت قوات الدعم السريع تدريجيًا خارج الخرطوم.. وبعد الاستيلاء على عدة جسور استراتيجية على نهر النيل، استولى الجيش على شمال وشرق المدينة في الأشهر الأخيرة، قبل أن يحوّل أنظاره إلى القصر الرئاسي".

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أنه "لطالما احتلّ هذا المجمع المترامي الأطراف، الواقع على الضفة الجنوبية للنيل الأزرق، مكانة محورية في تاريخ السودان. تأسس القصر في أوائل القرن التاسع عشر تحت الاستعمار العثماني المصري، ودُمّرَ وأُعيد بناؤه عدة مرات".

وقال: "كان القصر مسرحًا لحادثة شهيرة في الحقبة الاستعمارية عام 1885 عندما قتل أتباع رجل الدين الثوري، محمد أحمد، المعروف بالمهدي، الحاكم البريطاني للسودان، الحاكم تشارلز جوردون، على درجات القصر".

وفي عام 2015 افتتح البشير قصرًا جديدًا، بتمويل وبناء من الصين، بجوار القصر الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية، وكان القصر الجديد أيضًا محورًا للاضطرابات التي أعقبت الإطاحة به عام 2019، عندما أدى التنافس بين القادة المدنيين والعسكريين إلى الانقلاب العسكري عام 2021.

وُصف القصر الجديد، المحمي من قِبل الحرس الجمهوري، بأنه يحتوي على أنفاق وغرف سرية، وكان محور معظم الاحتفالات الصاخبة يوم الجمعة.

ومع انسحاب مقاتلي قوات الدعم السريع من شرق وشمال الخرطوم منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، أصبحت الخسائر الفادحة للحرب جليةً، وتحولت أحياء بأكملها إلى أرض قاحلة متفحمة، كما شاهد مراسلو الصحيفة خلال الأسبوع الماضي في المدينة.

وتناثرت سيارات مثقوبة بالرصاص في شوارع مهجورة، ووقفت مبان سكنية محترقة أو منهوبة، ودُمرت البنوك. وتصاعد دخان أبيض من صومعة قمح ضخمة.

وفي وسط المدينة، وجّه قناصة الجيش بنادقهم عبر نوافذ مبنى سكني فاخر مهجور يُطل على نهر النيل، وعلى الضفة البعيدة، انهار قارب نهري على جانبه، وحلقت طائرة استطلاع بدون طيار في السماء.

وقال التقرير: "انتفخ ستار من الدانتيل حول الرقيب أول إسماعيل حسن وهو يُحدّق من خلال منظاره في القصر الرئاسي المُدمّر، الذي كان يقع وسط مجموعة من مباني المكاتب المُهدّمة".

ونقل عن الرقيب أول حسن: "لديهم العديد من القناصة المنتشرين في المباني الشاهقة. هذا ما يجعل الأمر صعبًا للغاية".

وأضاف أن أفضل قناصة قوات الدعم السريع جاؤوا من إثيوبيا، مستشهدًا بتقارير استخباراتية عسكرية. ودعمت وثيقة عثرت عليها صحيفة التايمز في قاعدة مهجورة لقوات الدعم السريع في المدينة، تتضمن قائمة بالمجندين الإثيوبيين الجدد، هذه الفكرة.

وأكد التقرير أنه "بحسب بعض التقديرات، انخفض عدد سكان العاصمة قبل الحرب، والذي كان حوالي ثمانية ملايين نسمة، إلى مليونين. وفي المناطق التي استعادتها الحكومة مؤخرًا، نقل الجيش السكان إلى مخيمات مؤقتة على أطراف المدينة، حيث يجري فحصًا دقيقًا للمتعاطفين مع قوات الدعم السريع، وفقًا لعدد من السكان".

اظهار أخبار متعلقة


وأكد أنه "بين من بقي في المدينة، سادت حالة من الارتياح لرحيل مقاتلي قوات الدعم السريع".
قال كمال جمعة، البالغ من العمر 42 عامًا، وهو يسحب الماء من أنبوب مكسور في الشارع: "في الأيام التي سبقت رحيلهم، طالبوا بالمال. إذا لم تستطع الدفع، يطلقون النار عليك"، مضيفا: "لا يمكننا تحمل المزيد من هذه الحرب".

وذكر أنه "حتى لو تمكن الجيش من طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم، فإن احتمالات انتهاء الحرب قريبًا ضئيلة، وفقًا للمحللين، وما بدأ كصراع على السلطة بين الجنرالين انفجر ليتحول إلى صراع أوسع نطاقًا بكثير، تغذيه مجموعة محيرة من القوى الأجنبية".
التعليقات (0)

خبر عاجل