"أين حقّي أنا
المرأة الفلسطينية، نعاني الويلات منذ بداية الحرب. أتينا من البيوت للخيّام المُهترئة، لا نتوفّر على أي خصوصية، إذ لا توجد حمامات خاصة، ولا متطلبات صحية؛ نحاول الصمود لكن التّعب نال منّا" بهذه الكلمات أعربت عدّة نساء فلسطينيات، من قلب قطاع
غزة المحاصر، عن توالي معاناتهنّ الممزوجة بالصمود، لأكثر من عام ونصف.
في يومهن العالمي، تحدّثت النساء في غزة، عمّا يُمارس عليهن من عُدوان مستمر، وعن حقوقهن الضائعة، فسخّرن مُختلف مواقع التواصل الاجتماعي، لإيصال أصواتهن، التي يقولون ألما إنّه: "لا صدى لها، في ظل واقع يكتب حقوق النساء على الورق وتضيع فيه علنا، خاصّة في قلب المناطق التي تُعاني مرارة الحرب".
أرقام مُفجعة
في
اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 آذار/ مارس من كل عام، باتت الأنظار تتّجه أكثر نحو الأوضاع الصّعبة التي تُعايشها، قسرا، المرأة الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر، إذ تتحمّل كافة تفاصيل ويلات الحرب، من تهجير ونزوح قسري، من منطقة نحو الأخرى في ظروف مزرية، تنعدم فيها أدنى أساسيات الحياة، ناهيك عن مسؤوليات جمّة تواجهها في محاولة حماية الأطفال، إلى تحضير الطعام لهم، بما هو متوفّر، خاصة عقب يوم صيام طويل، في خضمّ شهر رمضان الجاري.
وبحسب أرقام كشف عنها المكتب الإعلام الحكومي، فقد استشهدت 12316 فلسطينية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما ترمّلت 13901 امرأة، إضافة لتواجد 50 ألف امرأة حامل فقدن أجنّتهن بظروف غير إنسانية، و17 ألف أم ثكلن بفقدان أبنائهن، 162 ألف امرأة أصين بأمراض معدية، و2000 امرأة وفتاة ستلازمهن الإعاقة لبتر أطرافهن.
أيضا، تشير بيانات هيئة شؤون الأسرى، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يعتقل 56 سيدة في سجونه، بواقع 44 من الضفة الغربية المحتلة، و3 من قطاع غزة، و9 من داخل أراضي الـ48، منهنّ 5 معتقلات صدرت بحقهن محكوميات، و40 معتقلة موقوفة، و11 معتقلة قيد الاعتقال الإداري. وبين المعتقلات القابعات في سجون الاحتلال هناك قاصرتان.
وتابع التقرير: "غالبا ما تجد النساء والفتيات أنفسهن مهمّشات في حالة الأزمات، إذ يقللن استهلاكهن الغذائي عندما تتدهور الظروف، كما يتعرضن لخطر نقص التغذية أو سوء التغذية بشكل خاص، وهو ما يجعل النساء الحوامل والمرضعات أكثر عرضة للمخاطر الصحية، مثل تشوهات الولادة أو الوفاة المبكرة للمواليد".
نساء في مواجهة الاحتلال
ما بين الاستهداف المباشر، أو فقدان المُعيل، أو فقدان الأطفال، أو التهجير، أو الاعتقال مع التعذيب.. تتواصل معاناة النساء في غزة بشكل مُضاعف، أمام مرأى العالم، وبالبثّ المُباشر، وفي ضرب عرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية المُرتبطة بحقوق الإنسان، وآلاف الشعارات التي كانت تصدح بها مئات الأصوات عبر العالم، عن حقوق المرأة.
وعلى الرغم من كون القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، تنصّ على عدم حرمان الأسيرات من حقوقهن الأساسية مثل الطعام، وتوفير البيئة الصحية؛ إلاّ أن عددا من النساء في غزة، أكّدن تعرّضهن لـ"التفتيش العاري، التهديد بالاغتصاب وما هو أفظع"، بحسب تعبيرهنّ. فيما يظلّ مصير أسيرات أخريات، مجهولا.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قد طالب، المجتمع الدولي، بالضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي للكشف عن مصير النساء الغزيات اللاتي اعتقلن، فغابت أخبارهن؛ مبرزا أنّ: "الإخفاء القسري طال قرابة 3 آلاف من المعتقلين الفلسطينيين في غزة، من ضمنهم أطفال قاصرون". فيما امتنع الاحتلال الإسرائيليّ، على مدار أكثر من عام ونصف، عن نشر أيّ معلومة عنهنّ، مع رفض المطالب المُتزايدة للمحامين بزيارتهنّ، زاعما أنهنّ "مقاتلات غير شرعيّات".
كذلك، انتهك الاحتلال الإسرائيلي الحق في الاتصال والوصول إلى الإنترنت؛ حيث أكد إعلان شركة الاتصالات الفلسطينية: "قطعت إسرائيل الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن قطاع غزة ما لا يقل عن 13 مرة منذ بدء الحرب، كان آخرها يوم 13 أيّار/ مايو 2024". وهو ما جعل الغزّيات في الداخل يعانين في صمت، وكافة المُتواجدات خارج القطاع، يعانين أيضا في محاولاتهن اليائسة للتواصل مع أهاليهن ومعرفة أخبارهنّ.
وبحسب المادة 25 من اتفاقية جنيف الرابعة: "يسمح لأيّ شخص مقيم في أراضي أحد أطراف النزاع، أو في أرض يحتلها طرف في النزاع، بإبلاغ أفراد عائلته -أينما كانوا- بالأخبار ذات الطابع العائلي المحض، ويتلقى أخبارهم وتنقل هذه المراسلات بسرعة وبدون إبطاء لا مبرر له".
ورصدت "عربي21"، اليوم السبت، الذي يوافق اليوم العالمي للمرأة، عددا متسارعا من التّغريدات والمنشورات، التي توثّق بالصوت والصورة، لصرخات النساء الغزّيات، ممّن يكابدن أهوال الحرب: الموت والتجويع، والتهجير القسري وحالات اغتصاب، وصعوبة الولوج لأبسط إمكانات الحياة الأساسيّة، وكذا ملامح عن صمودهن البارز، رغم ثقل المأساة، مع جُملة من الدعوات الدولية للاتفات إليهن، لإعادة الأمل لقلوبهن المُتعبة.
استشهاد أكثر من 12 ألف فلسطينية
كشف تقرير حديث، لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا"، أنّ: "هناك على الأقل 9000 امرأة استشهدت حتى الآن، أي في المتوسط 63 امرأة تُستشهد يوميا، بينهنّ 37 أمّاً، بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة".
وفي سياق متصل، قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إنّ: "استشهاد أكثر من 12 ألف فلسطينية وجرح واعتقال الآلاف ونزوح مئات الآلاف في قطاع غزة يشكّل وصمة عار على جبين البشرية".
وأكدت الحركة، في بيان، السبت، أنّ: "احتفاء المجتمع الدولي باليوم العالمي للمرأة يشكّل فرصة لفضح الجرائم الصهيونية بحق المرأة الفلسطينية في جميع أراضينا المحتلة، حيث تعرّضت للقصف الهمجي والمجازر اليومية، والتهجير والإبعاد، والاعتقال والتعذيب في السجون، والحرمان من أبسط حقوقها الإنسانية".
وأضافت: "كل المتواطئين والصامتين والمتخاذلين عن وقف هذه الجرائم وتجريمها، خاصة أولئك الذين يدّعون حماية المرأة وحقوقها.. أمام مسؤولية تاريخية، سياسية وإنسانية وأخلاقية، لمنع استمرار هذه الانتهاكات الوحشية".
وأوضحت الحركة أنّ: "الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال يتعرّضن لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، مما يكشف ازدواجية المعايير التي تنتهجها الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية".
اظهار أخبار متعلقة
من يعيد لهن البسمة؟
"ولادي ماتوا جوعانين قبل ما ياكلوا"، و"أبيضاني وشعره كيرلي".. وغيرها؛ هي صرخات وجع كبير، انفجرت من نساء بقلب قطاع غزة المحاصر، والمُقاوم لعدوان أهوج من الاحتلال الإسرائيلي، في وجه عالم بات يوصف بكونه "أصم".
ووفق ما رصدت "عربي21" فإنّ النساء في قلب غزة، تمضين أيّامهن بأوجاع مُضاعفة، وبقلب مُنفطر شقّه الأنين، من مأساة الحرب المُدوّية التي يتحايل الاحتلال الإسرائيلي لاستمرار شنّها؛ والكثير من الدموع، والصراخ، لم يخلّف إلاّ صدى لدى العالم، فاستمرّت الأوجاع نازفة لعام كامل، في مقابل وقفات احتجاجية جابت شوارع عدد من الدول.
إلى ذلك، طالبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، السبت، المجتمع الدولي، بتحمل مسؤوليته تجاه توفير الحماية الدولية للنساء الفلسطينيات وتأكيد حقهن في العيش بأمان وسلام. وذلك في بيان للخارجية الفلسطينية، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة،
وأكّدت الخارجية أنّ: "النساء الفلسطينيات هن الأكثر تضررًا وتأثرًا بجرائم وسياسات الاحتلال الإسرائيلي"، مبرزة أنّ: "المرأة الفلسطينية تقف في قلب معركة البقاء وتواجه العبء الأكبر من الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ومحاولات التهجير القسري والتطهير العرقي".
اظهار أخبار متعلقة
وأشارت الوزارة إلى أنه: "على مدى أكثر من 519 يومًا من حرب إسرائيل في غزة، استشهدت أكثر من 12 ألفًا و298 امرأة، بينما تعرضت آلاف النساء للتشريد القسري".
وأوضحت الخارجية الفلسطينية أنّ: "عرقلة وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة من الغذاء والدواء والاحتياجات الخاصة بالنساء والفتيات، يضاعف معاناة النساء في ظل الإبادة"، مطالبة بـ"ضرورة دعوة اللجان الدولية، لإجراء تحقيق شامل لمختلف أشكال العنف الممنهج ضد المرأة الفلسطينية، ومساءلة ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمه وانتهاكاته المستمرة، وإرهاب مستوطنيه".