نشر موقع "كوريري ديلا سيرا" تقريرًا سلّط فيه الضوء على مستقبل أوروبا بعد الانتخابات الألمانية، مسلطاً الضوء على صعود فريدريك
ميرتس كمستشار مرتقب، مع الإشارة إلى تراجع القيادة الألمانية السابقة وتأثيره على استقرار القارة.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته عربي21، إنه إذا لم تحدث مفاجآت غير متوقعة، فإن نتائج الانتخابات السياسية في ألمانيا اليوم محسومة إلى حد كبير، حيث إنه من المتوقع أن يصبح فريدريش ميرتس، مرشح الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي، المستشار الاتحادي الجديد، ومع ذلك، فلا يزال من غير الواضح إن كان سيتمكن من تشكيل حكومة تتألف من حزبين فقط، ما يمنحه استقرارًا سياسيًا أكبر، أم إنه سيكون مضطرًا إلى تشكيل تحالف ثلاثي أكثر تعقيدًا، لكن المؤكد أن السياسات التي سيتبعها ميرتس سيكون لها تأثير كبير على مستقبل أوروبا، وعلى الدور الذي ستلعبه ألمانيا في المرحلة المقبلة.
وأوضح الموقع أنه على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، كان حضور الحكومة الألمانية في بروكسل شبه معدوم، إذ إنها ظلت مشلولة بسبب الصراعات الداخلية لائتلاف متناحر وغير قادر على الإنجاز، في ظل مستشار يفتقر إلى الكفاءة مثل أولاف شولتس، الذي لم يتمكن أبدًا من تحقيق التماسك، فضلاً عن القيادة. وبالتوازي مع الأزمة التي شلت وما زالت تشل فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون، الذي يُنظر إليه على أنه متحمس للأوهام الأوروبية دون جدوى، فإن الغياب الألماني خلق فراغًا في قلب أوروبا، التي تعاني بالفعل من صعود الشعبوية والقومية، ما جعلها ضائعة بلا اتجاه واضح. وسواء كان الأمر متعلقًا بالمناخ، أو التجارة، أو السياسة الخارجية، أو دعم أوكرانيا، أو استكمال السوق الموحدة؛ فإن ألمانيا بقيادة شولتس لم تأخذ زمام المبادرة قط، وكانت عاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، لتجد نفسها في دور ثانوي هامشي.
اظهار أخبار متعلقة
وذكر الموقع أن الولاية الثانية لدونالد ترامب في البيت الأبيض، مع هجومه المدمر على العلاقات عبر الأطلسي باسم رؤية إمبراطورية جديدة، تضع أوروبا أمام مفترق طرق وجودي: إما أن تعيد اكتشاف نفسها وتتجهز لمواجهة المستقبل، أو تغرق في عالم جديد تحكمه مناطق النفوذ، حيث تملي القوى الكبرى مصير الدول الأصغر.
وبذلك، يمكن اعتبار عودة ألمانيا إلى موقع القيادة في أوروبا خطوة أساسية لتحقيق نهضة أوروبية بات تأجيلها أمرًا غير ممكن بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فهل سيكون فريدريش ميرتس المستشار القادر على إعادة الدور والمصداقية لألمانيا داخل أوروبا؟
وأفاد الموقع بأن هوية ميرتس الأوروبية لا جدال فيها، فقد كان معلمه السياسي فولفغانغ شويبله، وزير المالية السابق، وأحد أبرز المدافعين عن سياسة التقشف، لكنه كان أيضًا منظّرًا لفكرة أوروبا سياسية قائمة على تكامل قوي بين نواتها الصلبة المتمثلة في فرنسا وألمانيا، لكن على عكس أستاذه، الذي كان في هذا الجانب أقرب إلى إيمانويل ماكرون، يتبنى فريدريش ميرتس نهجًا أكثر حكوميًا، إذ يسعى إلى تشكيل تحالفات جديدة، انطلاقًا من مثلث فايمار – فرنسا وألمانيا وبولندا - وتوسيعه ليشمل إيطاليا وإسبانيا، إضافة إلى دول البلطيق والشمال الأوروبي.
وبين الموقع أنه إدراكًا من شولتس أن قاعدة الإجماع تمنح كل دولة قدرة غير مستحقة على العرقلة والابتزاز، ما يضعف القدرة على اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الأوروبي؛ فإنه منفتح جدًا على فكرة تكتلات "الدول الراغبة"، التي تتوحد وتتقدم معًا في ملفات معينة، سواء كان ذلك في دعم أوكرانيا، أو الدفاع الأوروبي، أو إنشاء صندوق استثماري مخصص للذكاء الاصطناعي.
ووفقا للموقع؛ فعلى الصعيد المالي، يُعتبر فريدريش ميرتس من المتشددين، لكن سواء داخل ألمانيا أو على المستوى الأوروبي، فقد أظهر تطورًا واضحًا في تفكيره: فقد أعلن استعداده في ألمانيا لمناقشة إصلاح، إن لم يكن إلغاء، قاعدة " فرامل الديون"، وهي آلية كبح العجز المالي التي تم إدخالها في عام 2010، والتي تحد العجز الهيكلي السنوي إلى 0.35 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، تلك القاعدة التي أعاقت استثمارات حيوية في القدرات الاستراتيجية للبلاد، من البنية التحتية إلى البحث العلمي والتعليم.
وذكر الموقع أنه على المستوى الأوروبي، وبعد دعمه لبرنامج الجيل القادم للاتحاد الأوروبي، يبدو أن فريدريش ميرتس منفتح على أشكال جديدة من التمويل المشترك، وعلى رأسها برنامج أوروبي للدفاع، والتفاصيل اللافتة هنا، أن ميرتس، الذي كان يومًا رئيس "أتلانتيك بروكه"، معقل التوجه الأطلسي في ألمانيا، يرى أنه من غير المنطقي أن يتم إنفاق 80 بالمئة من الميزانية العسكرية الأوروبية خارج القارة، وقال في تصريح له: "على الأوروبيين أولًا توحيد عمليات الشراء الدفاعي لبناء سوق للمنتجات العسكرية قوي بما يكفي لتقليل اعتمادهم، لا سيما على الولايات المتحدة". بهذا الطرح، يقدم ميرتس مفهومًا مغايرًا لفكرة "الاستقلالية الاستراتيجية" التي يدافع عنها إيمانويل ماكرون.
وأكد الموقع على أن ألمانيا تحتاج إلى قرارات جريئة من قبل فريدريش ميرتس حتى تستعيد دورها القيادي في أوروبا، وهذا يتطلب منه إصلاح الاقتصاد الألماني الذي لم يعد بنفس الكفاءة، والعمل على تحفيز النمو والابتكار، وتعزيز قدرة البلاد على منافسة الدول الأخرى بقوة، لكن هناك عقبة كبيرة في سيناريو عودة برلين إلى القيادة الأوروبية: ففي السنوات الأخيرة، أدى غياب القيادة الألمانية والفرنسية إلى بروز أورسولا فون دير لاين كبديل، حيث فرضت أسلوبًا أشبه بالنظام الملكي في رئاستها للمفوضية الأوروبية، لدرجة أنها اكتسبت لقب "الملكة أورسولا".
واختتم الموقع التقرير بالإشارة إلى أن طموح ميرتس لإعادة ألمانيا إلى قلب المشهد الأوروبي سيصطدم مباشرة بطموحات فون دير لاين، التي تسعى إلى بسط نفوذها في بروكسل، فداخل حزب الشعب الأوروبي، العائلة السياسية التي ينتمي إليها الاثنان، والتي تشكل فيها كتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني القوة الأكبر، سيمارس ميرتس نفوذه بصفته مستشار ألمانيا، وهو ما سيكون تحديًا صعبًا لفون دير لاين، لكن من منظور خارجي، ستكون أوروبا مجددًا تحت قيادة شخصيتين ألمانيتين.
للاطلاع على النص الأصلي (
هنا)