قالت
الباحثة لوسي إيستهوب المستشارة في شؤون الكوارث والرد والتعافي منها، ومؤلفة كتاب
"أسطورة التعافي" و"عندما ينجلي الغبار: تأملات في وباء غير متساو"،
إنه حين يتبادل زعماء العالم التهديدات بشأن إنهاء وقف إطلاق النار في
غزة هذا الأسبوع،
يواصل الفلسطينيون معاينة أنقاض منازلهم ويصلون
لله من أجل أن يصمد وقف إطلاق النار.
وأضافت في مقال بصحيفة "
الغارديان": قد
قوبل اقتراح دونالد
ترامب بطرد سكان غزة وإرسالهم للعيش في الأردن ومصر بإدانة واسعة
النطاق في مختلف أنحاء العالم.
و"لكن
تجربتي تشير إلى أنه لن يكون الزعيم الوحيد الذي يفكر في هذا"، وما يقوله ترامب يخفي وراءه عددا
من الافتراضات، وأكبرها أن أحدا لن يرغب في البقاء هنا في غزة.
اظهار أخبار متعلقة
وقد
وصف العاملون في وكالات الإغاثة الوضع في غزة بأنه جحيم؛ ففي إحاطة إعلامية في الثلاثين
من كانون الثاني/ يناير، وصفت مها الخطيب، منسقة الصحة في لجنة الإنقاذ الدولية، النظام
الصحي في غزة بأنه "مدمر بالكامل ومنهار". وقالت إن ما يحتاجه الفلسطينيون
فورا هو الإمدادات الطبية والمياه والغذاء. ولكن ما يحتاجون إليه أيضا هو "التحرك
على المدى الطويل" حتى تصبح الحياة ممكنة في غزة.
وإذا
ما تمكن ترامب من تحقيق هدفه، فلن تكون هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نقل الناس
بسبب الحرب. فقد تم تهجير مليوني شخص قسرا خلال الصراع في البوسنة والهرسك في الفترة
1992-1995، ولا يزال أكثر من مليوني شخص نازحين داخليا في العراق. ولن تكون هذه هي
المرة الأولى التي يتم فيها نقل الناس كاستراتيجية استجابة طارئة حسنة النية. ففي أعقاب
إعصار كاترينا في عام 2005، تجمع سكان مدينة نيو أورليانز التي غمرتها الفيضانات في
الحافلات وتم توزيعهم عبر ولايات أخرى باعتبارهم "لاجئين داخليين"، في عمل
وحشي ذكر البعض بفترة العبودية.
وعادة
ما يفضل مقاولو الكوارث العمل ضمن نهج تطلق
عليه الكاتبة "نموذج المريخ" من إعادة البناء الإنساني، وكأنهم يقومون باستعمار
المجرة. فهم يفضلون ألا يكون هناك بشر يعترضون طريقهم بمطالبهم الفوضوية، بل العمل
على إزالة الأنقاض وتعبيد الطرق.
إن رأسمالية
الكوارث منتشرة على نطاق واسع لأن هناك مبالغ ضخمة من المال يمكن جنيها في أعقاب الحرب.
ولا يربط "نموذج المريخ" بين الفرد وصلته بالوطن أو أي صلة بين الشخص والتربة
التي يعيش فوقها.
وتقول
الكاتبة إن تجربتها المتكررة في مراحل ما بعد الكوارث البيئية هي أن نقل مجتمعات كاملة
إلى مساكن مؤقتة في مكان آخر، يتسبب في تصدع كامل لحياتهم ومجتمعاتهم. وبينما يرحلون،
لا يمكنهم إلا أن يأملوا في أن يتحلى المقاولون المخصصون لخدمتهم بأخلاقيات الرعاية،
وهو أمر لا يمكنهم الاعتماد عليه دائما.
وأشارت
إلى تقرير نشر بعد ثلاث سنوات من فيضانات عام 2007 في هال البريطانية وجاء فيه:
"كان على العديد من الناس التعامل مع الصدمة المزدوجة التي تحدث عندما تتفاقم
الكارثة الأولى (الفيضان) بكارثة ثانوية في شكل معاملة سيئة من الشركات والوكالات المختلفة
التي من المفترض أن تساعد في التعافي".
وقد
تكون هناك أخلاقيات إنسانية ومخاوف أمنية حقيقية تكمن وراءها كما حدث عندما شهدت نقل
الناجين من "المناطق الحمراء" التي ضربها الزلزال في كرايستشيرش بنيوزيلندا
في عام 2011 - ولكن الاقتلاع يمكن أن يسبب مشاكل طويلة الأمد.
وتعلق
الكاتبة على ما وصف البعض لصدمة العائدين إلى بيوتهم في شمال غزة بأنهم وجدوا
"دمارا شاملا". ولكن هذا الخطاب يعطي مبررا وثقلا للجدل حول "تنظيف"
المكان وتسهيل الحديث عن عدم رغبة الناس للعيش فيه مرة ثانية. لكن حب المكان هو أكبر
مما تتم رؤيته ومعاينته. فالبشر في كل أنحاء العالم، بغض النظر عن الثقافة أو العقيدة،
يفعلون أشياء مماثلة بشكل ملحوظ عندما يعودون إلى مكانهم المدمر، أفعال "عاطفية"
مثل ربط الزهور بمخاريط المرور وأذرع الرافعات.
وفي
إيطاليا ونيوزيلندا، بعد الزلازل المدمرة، شهدت مسابقات طهي جماعية ووقفات احتجاجية
ومغاسل تم استعادتها ومساحات تم تخصيصها لرعاية الأطفال الصغار. وعادة ما يبدأ شخص
ما في البيع من شاحنة قهوة، كل هذه الأشياء تؤدي إلى إبطاء برنامج العمل وتعرقل المهندسين
ورأسماليي الكوارث.
إن
"التعافي" المادي تعطى له الأولوية من ناحية إصلاح الطرق وشبكات المياه والصرف
الصحي والطاقة. وليس من الخطأ أن نفترض: فمع غياب النظافة يأتي خطر الإصابة بالأمراض.
ولكن أول ما يريد البشر القيام به، أينما عملت في العالم، هو العثور على الموتى ثم
دفنهم.
وتقدر
وكالة الدفاع المدني في غزة أن هناك أكثر من عشرة آلاف جثة لا تزال تحت الأنقاض، ولا
يمكن إعادة بناء أي مجتمع حقيقي على مقبرة جماعية. ولكن العظام تعيق الطرق التي يجب
بناؤها، وبالتالي فسيحكم على العديد من الأسر بالموت الغامض، وهذا يعني أنها لن ترتاح
أبدا، لعدم دفنها في مقابر رسمية.
وكان
المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قد اقترح في الشهر الماضي أن إعادة بناء
غزة سيستغرق ما بين 10-15 عاما، وبطبيعة الحال،
قد تعتمد إعادة البناء على ما قد تتسامح معه "إسرائيل". عندها، سوف ينحرف
أي بناء مادي عن مساره بسبب الانتكاسات المستمرة من التوترات، والسياسة والجشع وكذلك
تدفق مستمر من الهجرة.
وقد
وصفت أدبيات الكوارث والصراعات نوع الهجرة التي تحدث عندما لا يستطيع الناس البقاء
على قيد الحياة في المكان الذي يحبونه. وقد يرى ترامب عملية "التنظيف" لكنها
ستكون بطيئة: سيتم إرسال الشباب للدراسة أو لكسب المال في مكان آخر، وسيغادر كبار السن
لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الضوضاء أو المخاطرة أو التوترات. وفي الحقيقة فإن
إعادة بناء غزة ليس مستحيلا، هذا إذا سمحت "إسرائيل"
بذلك، وكان لدى بقية العالم الإرادة.
وقالت
الأمهات اللاتي تمت مقابلتهن الأسبوع الماضي إنهن سيعشن في خيام إلى الأبد، طالما أنهن
يستطعن الاستمرار في العيش على هذه التربة. لكن الخيام لن تكون كافية. بالإضافة إلى
الغذاء العاجل والمياه والأدوية جنبا إلى جنب مع البنية التحتية طويلة الأجل وأعمال
إعادة البناء، سيحتاج سكان غزة إلى المساعدة والوقت والمساحة للتعافي.
اظهار أخبار متعلقة
تقول
الدكتورة ماهيم قريشي، خبيرة جراحة الأوعية الدموية في هيئة الخدمات الصحية الوطنية
في بريطانيا والتي عملت في مستشفى الأقصى في غزة في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/أكتوبر
2024، إن ما صدمها أكثر من أي شيء آخر هو أن الأطفال فقدوا رد فعلهم المفاجئ بعد سماع
القنابل التي تسقط عليهم لعدة أشهر. وتتحدث عن تأثير الكارثة على الأجيال الذي سيستمر
لعقود. وإلى جانب أحواض المياه وغرف العمليات والمخابز، ستكون هناك حاجة إلى أماكن
ودعم لهؤلاء الأطفال للتعافي ببطء شديد وجزئي.
وتقول
إيستهوب: "عندما تعمل في أعقاب الكارثة، فإنك تتعلم كيف تعيش يوما بيوم وتحتفل
بكل خطوة تحققها للأمام ولو كانت صغيرة. وتفرح عندما تعرف أن عربة بيع القهوة وصلت
وتصفق للزهور التي علقت على المخاريط المرورية. فالعودة إلى مكان "التدمير الكامل"
والبقاء هناك هو أحد أكثر الأشياء شجاعة التي رأيتها على الإطلاق. أدعو الله أن يدعم
العالم هذا العمل ويقاوم إغراءات "التنظيف"، ولكي يزهر الأطفال في غزة مرة أخرى، فالأمر يتطلب أكبر جهد دبلوماسي يشهده
العالم على الإطلاق".