ثلاثة فنانين كبار يدين لهم فن
الكوميديا، ألا وهم نجيب الريحاني، وإسماعيل ياسين، وفؤاد المهندس.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه بقوة:
لماذا أولا نجيب الريحاني؟ لمجموعة عوامل، لعل أهمها أنه وضع أسس وقواعد للمسرح
الكوميدي، كانت الأساس الذي بنى عليه كل من جاء بعده.
أما العامل الثاني، فهو تطور مدرسة
الأداء لدى نجيب الريحاني، فمن يتعمق في أعماله السينمائية، يجد مسحة أداء طبيعي
كانت تعد سابقة لعصرها، إذ كان
التمثيل المتعارف عليه هو المبالغة تعبيرا في
الإماءة واللفتة والحركة وتعبير الوجه.
أما العامل الثالث، فهو طبيعية الأداء
الكوميدي، وهنا تظهر عبقرية الريحاني، فهو ينتزع منك الضحك دونما أي افتعال أو
تقعير بل ببساطة وطبيعية مبهرة.
إسماعيل ياسين هو الفنان الوحيد الذي
قدم الكوميديا بثبات النمط وتكرار التعبير، وبرغم كل هذا، فقد سكن إسماعيل ياسين
قلوب الجماهير في السينما والمسرح، وأيضا في فن المونولوج، وقد حاول الكثيرون
تقليده، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا، ولم ينعموا بنجاح ياسين.
وكالعادة، كوّن إسماعيل ياسين فرقة
مسرحية خاصة مع صديق عمره أبو السعود الإبياري وقدما من خلال تلك الفرقة أجمل
الأعمال الكوميدية، بل إن إسماعيل ياسين هو النجم الوحيد، التي أُنتجت أفلام باسمه
مثل إسماعيل ياسين في الأسطول، وإسماعيل ياسين في الجيش.. إلخ.. إلخ.
ولقوة نجاح إسماعيل ياسين، كانت
فرقته تضم محمود المليجي وعبد الفتاح القصري وحسن فايق وغيرهم.
الثالث هو الأستاذ بلا منازع، الكبير
فؤاد المهندس، ومما لا شك فيه أن المهندس، رغم أنه يرى نفسه امتدادا للريحاني
ويعتز بأستاذيته، إنما نقديا فقط شكل المهندس بأفكاره الجريئة وإبداعه والمناخ، الذي أتاح له الفرصة يعد نقلة جديدة في المسرح
المصري والسينما على حد سواء، فكما
كان الريحاني وإسماعيل ياسين أبناء النظام الملكي بامتياز، كان فؤاد المهندس ابن
حركة يوليو بامتياز، وفد أفرزت حركة يوليو قوتها الناعمة التي شكلت كوادرها الحركة
الفنية بمصر، وكان من أولى كوادرها فؤاد المهندس بفن الكوميديا، وانضمت إليه
شويكار فيما بعد ليكونا من أنجح ثنائيات الفن، وينطلقا إلى سماء النجومية.
إذن كانت حركة يوليو هي الأرض الخصبة
التي بزغ نجم فؤاد المهندس في سمائها، إضافة إلى اختيار موضوعاته التي تهتم
بالطبقة الوسطى، وهي الطبقة السائدة وقت ذاك، فكان النجاح حليفه لا محالة.
هذه هي الأرضية الاجتماعية والسياسية
التي انطلق منها فؤاد المهندس، متسلحا بفنه وموهبته اللتين لفتتا نظر الجمهور
العريض، فقد أضاف فؤاد مسحة أمريكية وإيطالية دونما إخلال بالنكهة المصرية، فاستحسن
الجمهور المصري ذلك.
فعلى سبيل المثال، ابتكر شخصية مستر
إكس في فليميه؛ أخطر رجل في العالم، وعودة أخطر رجل في العالم.
وكذلك قدم النقد الاجتماعي في فيلمه
المهم أرض النفاق ليوسف السباعي، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، وإخراج فطين عبد
الوهاب، بل وعمل على تطوير فن الكوميديا في مجموع أفلامه مثل فيلم سفاح النساء، أنت
اللي قتلت بابايا، شنبو في المصيدة، والعتبة جزاز، وغيرها، ولعل إضافات فؤاد
المهندس في الفيلم الكوميدي قد نتناولها بالتفصيل في مقالة أخرى.
وإذا كان الأستاذ يقلل من قيمة
إضافاته الكوميدية في السينما المصرية، لكننا ندركها ونقدرها ونحتفي بها.
على أية حال، هذه مقالة بسيطة تشير
إلى الثلاثة الكبار وتشكل فن الكوميديا في سينماهم، ومسرحهم بالطبع، ونرسل لهم
تحية من القلب على الذي منحه فنهم الكثير من البهجة والشباب.