مقالات مختارة

مطلوب بلورة موقف إقليمي ودولي لرفض مقترحات ترامب

علي أبو حبلة
الأناضول
الأناضول
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه وإدانته الشديدة إزاء تصريحات الرئيس الأمريكي رونالد ترامب، التي أعلن فيها عن نيته تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ودعوته الدول المجاورة إلى استقبال الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، بعد أكثر من 15 شهرا من ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية بحقهم، وما تضمنته من تدمير شامل لمقومات الحياة الأساسية في القطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي.

وأكد الأورومتوسطي على أن أي خطط لنقل السكان المدنيين قسرًا تحت الاحتلال هي مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تنص بوضوح على حظر الترحيل ألقسري للسكان الواقعين تحت الاحتلال. كما أن مثل هذه الخطط تمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتتعارض مع الحق الطبيعي والمكفول دولياً للشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه ووطنه.

وإن التهجير القسري للفلسطينيين لا يمثل فقط جريمة دولية، بل هو جزء من إستراتيجية تهدف إلى تعزيز جرائم الترحيل ألقسري والطرد المنهجي التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عقود.

وتثير دعوة الرئيس الأمريكي ترامب الأردن ومصر إلى استقبال الغزيين بعد تدمير مقومات الحياة في غزه علامات استفهام ترتبط بمصير غزه في مرحلة ما بعد الحرب، وتحديداً لجهة ما إذا كان الترتيب المنشود، أميركياً وإسرائيلياً، هو « تطهير» القطاع، وتسليمه لإسرائيل لضمّه، في ما يبدو إحياء للخطّة الأصلية التي بلورتها إسرائيل مع بدء الحرب، عندما أرادت ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء. لكنّ الخطّة هذه تُعدّ أكثر طموحاً من سابقتها، كونها لا تستثني أياً من أهالي غزة، بعكس الخطّة الأصلية التي كانت تقتصر على تهجير سكان المناطق الواقعة إلى الشمال من محور «نتساريم «

ولعل هذه هي المرة الأولى التي يتحدّث فيها ترامب علانية عن مستقبل القطاع ما بعد الحرب، مخالفاً كلّ توقعات الخبراء حيال مقاربته للصراع في غزة واليوم الذي يليه.

ومن شأن هكذا مقاربة، على رغم اختلاف أسبابها، أن تعيد الأمل إلى الفاشيين في إسرائيل بإمكان السيطرة من جديد على القطاع، تمهيداً للمباشرة في استيطانه وضمّه. وبالفعل، سارع الوزير المستقيل من الحكومة الإسرائيلية، رئيس حزب « قوّة يهودية» الفاشي إيتمار بن غفير، إلى التعليق، بالقول إن « أحد مطالبنا من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، هو تشجيع الهجرة الطوعية. وعندما يَطرح رئيس أكبر قوّة في العالم، ترامب، الفكرة بنفسه، فيجب على الحكومة الإسرائيلية تنفيذها. فَلْنشجّع الهجرة الآن» .

أمّا وزير المالية، رئيس حزب « الصهيونية الدينية» ، بتسلئيل سموتريتش، فقال إن « فكرة مساعدتهم (الغزيين) في العثور على أماكن أخرى لبدء حياة جيّدة جديدة، هي فكرة عظيمة» ، مضيفاً أنه « بعد 76 عاماً تمّ فيها احتجاز معظم سكان غزة قسراً في ظروف قاسية من أجل الحفاظ على طموح تدمير دولة إسرائيل، جاءت فكرة مساعدتهم في إيجاد أماكن أخرى لبدء حياة جديدة جيدة وأفضل في مكان آخر، ويجب أن تكون لدى الحكومة (الإسرائيلية) خطّة عملية لتنفيذ ذلك في أسرع وقت ممكن».

إن تصريحات ترمب التي تتماها مع تطلعات الفاشيين الإسرائيليين والداعية إلى تفريغ غزة من سكانها عبر إجبار الدول المجاورة على استيعابهم، تتناقض مع الروابط التاريخية والثقافية العميقة التي تربط الفلسطينيين بأرضهم، فضلا عن أنها تُعد بمثابة دعم مباشر لسياسات إسرائيل التوسعية والاستعمارية، التي تسعى بشكل منهجي إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها لصالح مشاريعها الاستعمارية الاستيطانية غير القانونية، بهدف إحلال الإسرائيليين مكان الفلسطينيين.

لقد تعمدت إسرائيل على مدى أشهر طويلة على تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية عبر ارتكاب مجازر واسعة النطاق، استهدفت المدنيين، ودمرت الأحياء والمدن والبنية التحتية في قطاع غزة بشكل منهجي، في محاولة لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية واقتلاعهم من أرضهم. ولم تقتصر هذه السياسات على القتل والتدمير والتجويع، بل امتدت إلى تدمير مقومات الحياة الأساسية، مثل المياه والكهرباء والتعليم والخدمات الصحية، لتقويض قدرة الفلسطينيين على الصمود على أرضهم وخلق بيئة قسرية تدفعهم إلى مغادرة وطنهم.

وموقف ترامب ودعوته لترحيل الغزيين من أماكن سكناهم هي مكافأة للمجرم على حساب أصحاب الحق الشرعيين ، وان تدمير الجيش الإسرائيلي مدناً وأحياء فلسطينية بأكملها في قطاع غزة يعد تجسيداً واضحاً لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأداة رئيسة لتنفيذها.

لم تقتصر جريمة حرب الإبادة على قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين بل عمدت إلى التدمير الممن هج للمدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بالكامل بنسيجها المعماري والحضاري، وما يتبع ذلك من تدمير للهوية الوطنية والثقافية واستئصال للفلسطيني من أرضه ، وفرض التهجير القسري الدائم عليهم، ومنع عودتهم، وتفكيك مجتمعاتهم، وطمس ذاكرتهم الجمعية، في محاولة منهجية للقضاء على وجودهم المادي والإنساني وتدمير ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.

مطلوب بلورة موقف إقليمي ودولي رافض لتصريحات ترامب بشأن ترحيل سكان قطاع غزة، وأن في اقتراح التهجير الجماعي كحل للصراع المستمر لا يؤدي إلى عدم معالجة جذور المشكلة فحسب، بل يعمق معاناة الشعب الفلسطيني ويزيد من الظلم الواقع عليه، ويسلب حقوقهم المشروعة في تقرير مصيرهم والعيش في وطنهم بأمان، كما من شأن هذه التصريحات وأي خطوات مترتبة عليها، زعزعة الاستقرار الإقليمي وتعزيز التوترات في المنطقة.

وهذا يتطلب من المجتمع الدولي موقفا حاسما ورافضا لتصريحات ترامب ، وضرورة الالتزام التام بمبادئ القانون الدولي، وبتبني حلول قائمة على احترام حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، ومحاسبة إسرائيل عن جرائمها المستمرة، ووضع مسار واضح لتحقيق العدالة للفلسطينيين، مع ضمان عودة جميع اللاجئين والنازحين الفلسطينيين إلى مناطقهم الأصلية وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة، بدلا من العمل بأي شكل من الأشكال على دعم أية سياسات تهدف إلى اقتلاع سكان فلسطين الأصليين لصالح إسرائيل.
التعليقات (0)