كتاب عربي 21

الجماهير من غزة إلى رام الله

منير شفيق
ما عبّر عنه خروج الجماهير، احتفاء بالنصر، الذي عكسته اتفاقية وقف إطلاق النار، جاءت لتؤكد دعم الشعب للمقاومة، واستمساكه بتحدّي العدوان والمجازر.. الأناضول
ما عبّر عنه خروج الجماهير، احتفاء بالنصر، الذي عكسته اتفاقية وقف إطلاق النار، جاءت لتؤكد دعم الشعب للمقاومة، واستمساكه بتحدّي العدوان والمجازر.. الأناضول
قد يستغرب البعض أشدّ الاستغراب، إذا قرأ أن الاستقبال الشعبي لإطلاق الأسرى، الذي شهدته رام الله يشكّل، بدوره، انتصارا آخر للمقاومة. وذلك حين اندفعت الآلاف، وربما عشرات الآلاف من الجماهير للاحتفال الحار بالأسرى الأبطال المحرّرين الذين أطلقوا في 25/5/2025، وبتحدّ صارخ لتهديدات الاحتلال، كما لسلطة رام الله.

وهو تكرار، أو امتداد للاستغراب مما تحمله هذه الحشود الشعبية التي ملأت، أيضا، شوارع قطاع غزة، من مغزى، وهي تحتفل بالاتفاق الذي أوقف إطلاق النار، يوم الأحد في 19/1/2025، كما تكرار المشهد، يوم تسليم الأسيرات الثلاث، وبعدهما الأسيرات الأربع في 25/1/2025، في غزة.

وهذا كله يحدث، بعد خمسة عشر شهرا، من حرب بريّة حامية الوطيس، وحرب إبادية وتدميرية، خرجت على قوانين الحرب، وعلى الأخلاق والقِيَم الإنسانية كافة.

كما يحدث في مخيم جنين والضفة الغربية، عموما، إذ يخوضان مقاومة لصدّ هجمات عسكرية صهيونية، اندلعت لتكمل ما ارتكبه الكيان الصهيوني من جرائم وحشية في قطاع غزة.

إن هذه الحشود تثبت استراتيجية المقاومة، وتصفع المتخاذلين. 

إن الصمود في السجون لعشرات السنين، وبمعاملة غاية في الوحشية، آخر سنتين، والصمود الشعبي في قطاع غزة في احتمال إبادة بشرية، وتدمير للعمران، قد حظيا بإجماع، على أنهما فاقا احتمال البشر. وسجلا أسطورة في البطولة الإنسانية، تتصدّر ما عُرِف من بطولات في التاريخ الإنساني.
فالدافع إلى الاستغراب، ينجم عن عدم توقع أن تتحدّى الجماهير بهذه الحماسة في استقبال أسرى مقاومين، أمضوا سنوات في السجون وتحت التعذيب، وبلغ بعضهم العشرينات والثلاثينات سنة سجنا.

أما الدافع الآخر، فقد جاء ليؤكد الاحتفاء بالنصر، الذي ترجمه اتفاق الأحد في 19/1/2025، في خاتمة حرب العدوان على قطاع غزة، بعد خمسة عشر شهرا.  

واكتملت الصورة التي رسمتها الجماهير في قطاع غزة، بهز البنادق التي بدت للناظرين، غابة من البنادق، في الآن نفسه.

إن الصمود في السجون لعشرات السنين، وبمعاملة غاية في الوحشية، آخر سنتين، والصمود الشعبي في قطاع غزة في احتمال إبادة بشرية، وتدمير للعمران، قد حظيا بإجماع، على أنهما فاقا احتمال البشر. وسجلا أسطورة في البطولة الإنسانية، تتصدّر ما عُرِف من بطولات في التاريخ الإنساني.

وقد ترافقت هذه البطولات، مع البطولات القتالية الأسطورية، التي اجتمعت فيها الشجاعة، مع الذكاء الخارق في الحرب البريّة، التي تواصلت خمسة عشر شهرا.

على أن ما عبّر عنه خروج الجماهير، احتفاء بالنصر، الذي عكسته اتفاقية وقف إطلاق النار، جاءت لتؤكد دعم الشعب للمقاومة، واستمساكه بتحدّي العدوان والمجازر.

وهو أمرٌ يجب أن يُسجّل، كإنجاز سياسي وعسكري ومبدئي، إلى جانب إنجاز عملية طوفان الأقصى نفسها، وإلى جانب الإنجاز العسكري المنجز قتاليا، في الحرب البريّة، وأخيرا وليس آخرا، إلى جانب إنجاز فرض الاتفاق، الذي أعلن هزيمة العدوان، وأذلّ نتنياهو.

إن هذا النهج في قراءة، ما عبّرت عنه الجماهير في قطاع غزة، ابتداء، الاحتفال بوقف إطلاق النار، وانتهاء، باستقبال الأسرى في غزة، يجب أن تُقرأ من خلاله، أيضا، ما عبّرت عنه جماهير رام الله في استقبال الأسرى في 25/1/2025. وهي حشود لم تعرف رام الله مثلها طوال تاريخها.

لقد فرضت الجماهير، بآلافها وعشرات آلافها، في رام الله، وفي مختلف المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية، إرادة وموقفا سياسيا ومبدئيا، عبّر عن موقف كل الشعب الفلسطيني، في تبني استراتيجية المقاومة. وفي التمسّك بتحرير فلسطين كل فلسطين، من النهر إلى البحر، ومن أم الرشراش إلى رأس الناقورة.

ومن ثم الإصرار المستقبلي على مواصلة طريق التحرير، مهما غلا الثمن الذي يتطلبه هذا التحرير من تضحيات. ومهما بلغت وحشية جيش العدو الصهيوني، في القتل والتدمير.
التعليقات (0)