تحل اليوم الذكرى الـ14 لثورة 25 يناير في
مصر وسط حالة من التطورات الإقليمية المتسارعة وفي مقدمتها سقوط النظام السوري وهروب رئيسه المخلوع بشار الأسد إلى روسيا، وهو حدث من شأنه أن يلقي بظلاله على المشهد السياسي في المنطقة، بما في ذلك مصر.
وكان الحدث السوري الذي جاء بعد ما يقرب من 14 عاما من مواجهة النظام المخلوع الذي كرس ترسانته العسكرية بالكامل لقمع الاحتجاجات الشعبية التي تحولت إلى العسكرة، أحد أبرز محاور الإعلام المصري خلال الأسابيع الأخيرة، لاسيما بعد ظهور مقاتلين مصريين في صفوف المعارضة السورية.
وطغت لهجة الانتقاد اللاذع والتحذير من النموذج السوري على طريقة تناول العديد من الإعلاميين المصريين المحسوبين على النظام المصري للتطورات في
سوريا.
كما بدا التحفظ المصري إزاء المشهد الجديد في سوريا عبر تصريحات أدلى بها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي واصفا الإدارة السورية الجديدة في دمشق بقيادة أحمد
الشرع بأنها "سلطة أمر واقع".
اظهار أخبار متعلقة
ويرى المحلل السياسي عزت نمر أن "هناك حالة من التوتر والهياج في الإعلام الرسمي لنظام
السيسي والأمر أبعد من ذلك، حيث إن كل ظهور للسيسي من بعد أحداث سوريا يبدو من كلماته حالة من التوتر البالغ عليه هو نفسه، وتظهر بوضوح في كلماته ، حتى إنه لا يتكلف في إخفائها".
ويضيف في حديثه إلى "عربي21"، أن نجاح المعارضة السورية بالإطاحة بنظام الأسد "ألقى بظلاله في صورة تجديد الأمل في تجدد الربيع العربي في موجته الحاسمة، والأمل في حراك جديد يغير الأوضاع في مصر خاصة أن الاحتقان في مصر بلغ مداه".
وكان السيسي شدد بعد سقوط النظام السوري في أكثر من مناسبة على عدم تلطخ يديه بالدماء أو سرقة مال أحد، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة من رئيس النظام المصري لتفادي سيناريو بشار الأسد.
ومن ضمن الهواجس المتعلقة بسوريا والتي أثارها الإعلام المصري خلال الأسابيع الماضية، يبرز ملف المقاتلين المصريين في صفوف المعارضة السورية، بما في ذلك المصري أحمد المنصور الذي أعلن عن تشكل حركة ثورية للإطاحة بالسيسي.
والمنصور هو شاب مصري انخرط في القتال مع المعارضة السورية ضد نظام الأسد، قبل أن يظهر في مقطع مصور بعد انهيار النظام السوري معلنا عن تشكيل "حركة ثوار 25 يناير"، بهدف إسقاط السيسي.
وأثارت إعلان المنصور موجة من الانتقادات اللاذعة ضد الإدارة الجديدة في سوريا من الإعلام المصري، في حين شد وزير الخارجية المصري على ضرورة "عدم إيواء عناصر إرهابية" على الأراضي السورية، داعيا إلى تكاتف الجهود الدولية لمنع تحول سوريا إلى "مصدر لتهديد الاستقرار في المنطقة أو مركز للجماعات الإرهابية".
في غضون ذلك، تحدثت تقارير عن اعتقال السلطات السورية للمقاتل المصري وذلك بالتزامن مع بيان لمتحدث مزعوم باسم "حركة ثوار 25 يناير" يؤكد فيه اختفاء المنصور بعد تلقيه دعوة للقاء وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مرهف أبو قصرة.
يشدد الباحث محمود علوش على أن "التحول السوري يجلب هواجس مُتعددة لمصر"، مشيرا إلى أن "هذه الهواجس تُشكل الموقف المصري من التحول. ويظهر القلق من المقاتلين المصريين وتحول سوريا إلى ملاذ لتنظيمات إرهابية كأحد هذه الهواجس الرئيسية".
ويوضح في حديثه مع "عربي21"، أنه "من الممكن لهذه الهواجس أن تضغط بقوة على علاقة القاهرة بالإدارة السورية الجديدة في حال لم يكن هناك تعاون بين الطرفين لتبديد هذه الهواجس"، لافتا إلى أن "دمشق حريصة على التعاون مع مصر ودول المنطقة الأخرى التي لديها أية هواجس بهذا الخصوص".
ملف المقاتلين المصريين
وكان ملف المقاتلين الأجانب في سوريا أثار حفيظة العديد من الدول الغربية بعد إعلان القيادة السورية الجديدة عن سلسلة من الترقيات في الجيش، والتي شملت مقاتلين عرب وأجانب، من بينهم علاء محمد عبد الباقي، وهو مواطن مصري، قدم إلى سوريا قبل سنوات للانخراط في صفوف الفصائل المسلحة.
وجرت ترقية عبد الباقي إلى رتبة عقيد في الجيش السوري بموجب مرسوم صادر عن وزارة الدفاع بتوقيع من قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع.
يوضح علوش أن "القاهرة عبّرت بوضوح عن مخاوفها من تحول سوريا إلى ملاذ للإرهاب. مع ذلك، فإن التعبير عن هذا الهاجس يُخفي في الواقع هواجس أخرى كبيرة من تداعيات التحول السوري على المنطقة لجهة عودة صعود تيار الإسلام السياسي ونجاح تنظيم ذو خلفية جهادية في حكم بلد كسوريا".
ويضيف أن "هذا سيناريو لا يُمكن للدول المعادية لتيار الإسلام السياسي أن تتقبله أو تتعايش معه"، لافتا إلى أن "التعامل مع هذا الملف حاجة لسوريا قبل أن يكون حاجة لدول المنطقة".
ومن الواضح، بحسب الباحث، أن "الإدارة الجديدة تُدرك حساسية هذه القضية وتأثيرها على العلاقة مع دول المنطقة. والخطوات التي تقوم بها تُرسل رسائل مُشجعة".
وكان الشرع تحدث عن عدم اعتزام سوريا تصدير الثورة السورية إلى الخارج بعد نجاحها، مشددا في الوقت ذاته على ضرورة العمل بعقلية الدولة بعد ما قال إنه "انتهاء الثورة" إثر تحقيق هدفها بإسقاط نظام الأسد.
وبالرغم من تواصل توافد الوفود الإقليمية والغربية إلى سوريا من أجل اللقاء بقادة الإدارة الجديدة منذ سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلا أن القاهرة لم ترسل بعد أي وفد إلى دمشق، وما يشير إلى حالة من التحفظ لا تزال مسيطرة على النظام المصري.
ويرى عزت نمر أنه "من الممكن إرجاع حالة التوتر في أروقة النظام في مصر، إلى وجود الشباب مصري المقاتل في سوريا وهذا يزيد التخوف من نقل فكرة الثورة المسلحة بشكل ما".
ويشير إلى أن "النظام المصري ظل سنوات يخوف المصريين من النموذج السوري، وكانت سوريا هي الفزاعة التي استخدمها اعلام السيسي، كيف واليوم أصبحت سوريا أيقونة عودة الربيع العربي، خاصة مع هروب رئيسها إلى روسيا وهو مشهد ربما مماثل قد يحدث في مصر غداً أو بعد غد".
اظهار أخبار متعلقة
ويشدد على أنه "سيكون هناك تداعيات لأحداث سوريا في مصر وربما في مواطن أخرى من الإقليم ،إذ لا يمكن تجاوز حقيقة أن الثورة عدوى وأن حالة انتصار إرادة الشعب في دولة تغري الشعوب الأخرى بالأمل والحركة".
وفي تعليق على إمكانية أن يتسبب المقاتلين المصريين في سوريا بتهديد للنظام السيسي، يوضح نمر أن "أحداث سوريا وهروب بشار، ستظل ضاغطة على النظام المصري طالما استمرت حالة الاحتقان والغضب الشعبي".
ويلفت إلى ضرورة "التركيز على متغير شديد الحرج وهو أن طبقة كبيرة من ضباط الجيش في المستويات الدنيا والمتوسطة باتت هي الأخرى تشكو من الواقع الاقتصادي، وهو لغم شديد الخطورة إذا ما تأثر بالأوضاع أو تعاطى مع الأحداث أو انتقل إلى مربع الاحتقان والغضب".
ثلاث اتجاهات "ترعب" السيسي
يوضح عزت نمر أن "الأنظمة الاستبدادية القمعية هي بالأساس أنظمة خوف ، يحسبون كل صيحة عليهم"، مشيرا إلى أنه "من الطبيعي أن تشكل صورة المقاتلين المصريين في المشهد السوري صورة مرعبة للسيسي ونظامه في اتجاهات متعددة".
ويلخص الباحث المصري الاتجاه الأول في أن "يتحول هؤلاء بخبراتهم العسكرية والثورية إلى الملف المصري وهو لغم شديد الانفجار خاصة مع حالة الاحتقان الشعبي الموجودة في مصر حيث ستجد بيئة خصبة للثأر والانتقام من نظام ترك ثارات متعددة مع كل فئات الشعب".
أما الاتجاه الثاني، فيوضح الباحث أنه يعود إلى "تبني آخرون نفس النهج في مصر، خاصة أن السيسي وأجهزته رصدت حالة التفكك السريع والانهيار لكل قوات نظام سوريا المسلحة ومليشياته بمجرد جدية الحل العسكري"، معتبرا أن هذا السيناريو "يرعب النظام".
وثالثا، يرى نمر أن التخوف الثالث لدى النظام المصري يتمثل في أن "يؤتى السيسي من مأمنه حيث لا يزال يأمن جانب الجيش في مصر إلى حد ما"، ويضيف متسائلا: "ماذا لو تبنى أفراد من الجيش هذا النهج وتحركوا فجأة وهذا سيناريو مرعب لأي نظام استبدادي والأخص في الواقع المصري".