ينظم معتقلون سياسيون
مصريون إضرابا عاما عن الطعام في ظل تعنت السلطات المصرية في هذا
الملف المؤلم لكثير من المصريين، وذلك بالتزامن مع حراك لمعارضين وناشطين حول هذا
الملف قبل أيام من الذكرى الـ14 لثورة يناير 2011.
والاثنين، دخلت
الأكاديمية المصرية
ليلى سويف، في يومها الـ106 من
الإضراب عن الطعام للمطالبة
بالإفراج الفوري عن نجلها الناشط السياسي المحبوس علاء عبد الفتاح منذ أيلول/
سبتمبر 2019.
والخميس الماضي،
وإثر تجديد نيابة أمن الدولة، حبسه، بالقضية رقم (4937 لسنة 2024)، أعلن الخبير
الاقتصادي المصري المعتقل منذ 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عبد الخالق فاروق،
عن دخوله وآخرين في إضراب عن الطعام رفضا لاستمرار حبسه، وسط توقعات باتساع رقعة
الإضراب بين السجناء السياسيين.
ومنذ 25 كانون
الأول/ ديسمبر الماضي، يواصل الناشط السياسي المعتقل 18 حزيران/ يونيو 2018، محمد
عادل، إضرابه عن الطعام، إثر منع إدارة سجن "جمصة" بمحافظة الدقهلية له
من أداء امتحان دبلوم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب
"
المبادرة المصرية لحقوق الشخصية"، فقد بدأ عدد من المحتجزين إضرابا عن
الطعام، فيما يمتنع آخرون عن استلام التعيين (الوجبات المقرر صرفها لهم من إدارة
السجن) اعتراضا على استمرار حبس عدد منهم احتياطيا بدون مبرر قانوني، إلى جانب
تردي أوضاع احتجازهم بالمخالفة لقانون تنظيم السجون رقم (396 لسنة 1956).
وتشير إفادات
تلقتها المبادرة المصرية إلى أن عددا من المحبوسين بـ"سجن العاشر 6"،
أبلغوا أسرهم بأنهم بدأوا إضرابا عن الطعام منذ 4 كانون الثاني/ يناير الجاري،
وشرع آخرون في الانضمام إليهم تدريجيا، كان آخرهم عدد من المحتجزين المسنين
والمرضى يوم 9 كانون الثاني/ يناير، بينما أعلن عدد آخر السبت الماضي، الامتناع عن
استلام التعيين للمطالبة بحقوقهم المشروعة التي يكفلها القانون والدستور.
ومنها:
"الإفراج عمن تعدت مدة حبسهم الاحتياطي 6 أشهر"، و"عودة مدة
الزيارة 60 دقيقة طبقا للائحة السجون"، و"تفتيش السجناء بشكل إنساني
وغير مهين قبل وبعد الزيارات"، و"الخروج يوميا للتريض في الشمس"،
و"عزل ضابط الأمن الوطني المتواجد بالسجن"، و"إتاحة قناة إخبارية
في الزنازين"، و"تحسين جودة طعام التعيين".
وتطالب المنظمة
الحقوقية النائب العام محمد شوقي بالانتقال لمقر سجن (العاشر 6)، لتفتيش السجن
وتفقد أحوال المحتجزين وسماع شكاواهم والتحقيق فيها، بعدما رفضت نيابة أمن الدولة،
ودائرة الإرهاب الأولى بمحكمة جنايات القاهرة، وإدارة السجن، الاستماع لشكاواهم
وإثباتها بجلسات تجديد الحبس الاحتياطي الأسبوع الماضي.
وقالت الشبكة
المصرية لحقوق الإنسان، إن "قرار المعتقلين السياسيين بالإضراب عن الطعام رغم
المخاطر الصحية التي قد يتعرضون لها يعكس حجم المعاناة التي يعيشونها ورفضهم
القاطع للانتهاكات الجسيمة التي سلبتهم حقوقهم التي يكفلها الدستور والقانون".
اظهار أخبار متعلقة
وفي بيان لها
طالبت النيابة العامة بالتحقيق الفوري في الانتهاكات بحق المعتقلين والقيام بدورها
الرقابي وتفتيش السجون، داعية وزارة الداخلية بتحمل مسؤولياتها في ضمان احترام
حقوق المعتقلين، محملة الجميع مسؤولية تدهور الحالة الصحية للمعتقلين نتيجة
الإضراب.
وعلى الجانب
الآخر، نفى مصدر أمني، إضراب نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل عن الطعام، وفقا لما
نقله عدد من الموقع المحلية، مؤكدا على وجود الإمكانيات المعيشية والرعاية الصحية
على أعلى مستوى بالسجون.
"متى ينتهي الملف البغيض؟"
ودعما لهم، دعا
نشطاء وسياسيون مصريون للتضامن مع إضراب المعتقلين الذين يقبع أغلبهم في السجون
منذ 11 عاما، بالتدوين عبر هاشتاغ "#الحرية_لسجناء_الرأي".
والأحد، وعبر
صفحته على "فيسبوك"، وجه السياسي المصري حمدين صباحي، نداء لرئيس النظام
عبدالفتاح
السيسي، دعاه فيه للإفراج عن كل سجناء الرأي الذين لم يرتكبوا عنفا ولم
يحرضوا عليه تحقيقا للعدل، مشيرا إلى ما يشهده العالم العربي من تحولات خطيرة
تتطلب التكاتف بين الجميع لمواجهة الأخطار.
وذكر أسماء: علاء عبد الفتاح، ويحيى حسين عبد الهادي، وعبد المنعم أبو الفتوح، وأحمد الطنطاوي،
ومحمد القصاص، وعبد الخالق فاروق، ومحمد عادل، وحمدي الزعيم، وسامي عبد الجواد،
وأحمد عزام، وسامي الجندي، وعشرات من متظاهري دعم فلسطين.
وكتب الصحفي
كارم يحيي: "إضراب جديد ربما أكثر اتساعا وتنوعا لمعتقلي وسجناء الرأي"،
مخاطبا المصريين: "لا تنسوهم وبينهم مصريون آدميون معزولون عن العالم منذ نحو
10 سنوات".
وقال القيادي
بحزب "التحالف الشعبي" زهدي الشامي: "سجناء الرأي عاملين إضراب،
وبعضهم في حالات مرضية"، ملمحا إلى إصابة مؤسس الحركة المدنية الديمقراطية
يحيى حسين عبد الهادي، بأزمة قلبية السبت الماضي هي الثانية في شهر، ومواصلة ليلى
سويف إضرابها عن الطعام، متسائلا: "أما آن وقت إنهاء هذا الملف البغيض؟".
"تضييق بالشارع.. وانتهاكات بالسجون"
ويأتي توقيت
الإضراب بالتزامن مع عمليات تضييق واسعة من الحكومة المصرية على النشطاء
والمعارضين، مع إصدار قرارات مثيرة للجدل بينها إقرار مجلس النواب المصري الاثنين،
"منح النيابة العامة سلطة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل
الاتصال ومنها الحسابات على السوشيال ميديا أو الإيميلات أو الهواتف المحمولة".
ويعاني آلاف
السجناء من انتهاكات حقوقية ومخالفات للقوانين المصرية ولوائح السجون يرصدها
حقوقيون ويشكو منها المعتقلون السياسيون، ومنها الإهمال الطبي، والحبس الانفرادي
التعسفي، ومنع الزيارات والتريض والأطعمة والدواء، بجانب جرائم الإخفاء القسري
والحبس الاحتياطي وإعادة تدوير كثيرين في قضايا أخرى.
وعبر صفحتها
بموقع "فيسبوك"، وصفت الدكتورة منى المصري، زوجة مدير مكتب رئيس
الجمهورية الأسبق الدكتور أحمد عبد العاطي المعتقل مع الرئيس الراحل محمد مرسي،
منذ حزيران/ يونيو 2013، إحدى المشاهد القاسية التي تعانيها منذ 11 عاما.
اظهار أخبار متعلقة
وقالت:
"نذهب لسجن بدر، ببضع شرائط دواء لا تسمن ولا تغني من جوع، نذهب بها لعلنا
نلقى الحبيب الغالي، الدكتور أحمد عبد العاطي، نذهب بها لعلنا نقترب فنطمئن عليه،
نذهب ونعود كما ذهبنا"، مؤكدة أن "الزيارة ممنوعة".
وأضافت مخاطبة
زوجها: "لكنا يقينا يوما ما لن نحتاج، وستأتي أنت إلينا ولا تذهب، وعسى هذا
اليوم أن يكون قريبا".
وقبل أيام، وبعد
61 شهرا، وحوالي 1900 يوما من الاعتقال، وبعد ما بدأت السنة السادسة في الحبس
الاحتياطي تمت إحالة المعتقلة السياسية حسيبة محسوب، شقيقة الوزير السابق محمد
محسوب للمحاكمة.
وذلك في وضع
وصفته المعتقلة السابقة والصحفية سولافا مجدي، بأن "عمرها يضيع عشان (لأجل)
جبروت وظلم وتعنت"، مؤكدة أنها لم ترتكب جرما، وملمحة إلى أن كل الطرق مغلقة أمام
ملف المعتقلين.
اظهار أخبار متعلقة
وفي بيان لنقيب
الصحفيين المصريين خالد البلشي، الأحد، انتقد قرارات إحالة 15 صحفي نقابي من
المعتقلين المحبوسين احتياطيا للمحاكمة رغم تجاوز بعضهم فترات الحبس الاحتياطي
المقررة قانونا، وبالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية.
"الجدوى والتأثير"
وحول مدى جدوى
خطوة المعتقلين السياسيين بالإضراب عن الطعام، قال الناشط الحقوقي عبد الرحمن
حمودة، إن "الإضراب عن الطعام أداة احتجاجية يستخدمها المعتقلون السياسيون ضد
العديد من الأنظمة القمعية حول العالم".
وأوضح في حديثه
لـ"عربي21": "يهدف الإضراب إلى لفت الانتباه إلى الظلم وانتهاك
الحقوق الذي يتعرض له المعتقلون، ويُعتبر وسيلة لإيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي
والمجتمع المحلي في ظل الانتهاكات المستمرة التي يتعرضون لها في السجون".
ويرى حمودة، أن
"السؤال الأهم هو: هل يستطيع الإضراب عن الطعام حل الأزمة؟"، مؤكدا أن
"الإجابة تعتمد على عدة عوامل، أولها: استجابة السلطات".
وبين أنه
"في كثير من الحالات، قد لا يلقى الإضراب عن الطعام استجابة من السلطات، بل
قد يتم التعامل معه بإجراءات تعسفية مثل التعذيب أو الإهمال الطبي للمعتقلين".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف: "قد لا يؤدي الإضراب عن الطعام إلى نتائج مباشرة في حل الأزمة بشكل سريع، خاصة إذا
كانت السلطات غير مستعدة للتفاوض في بعض حقوق المعتقلين أو الاستماع لمطالب
المعتقلين".
ثاني عوامل نجاح
إضراب المعتقلين عن الطعام وفق الباحث المصري، هي: "التأثير على الرأي
العام"، مؤكدا أنه "في بعض الأحيان، يمكن أن يكون للإضراب عن الطعام
تأثير ضاغط على المجتمع الدولي والرأي العام المحلي، حيث قد يسهم في زيادة الوعي
بقضية المعتقلين في سجون السيسي".
ويعتقد أنه
"إذا تم تسليط الضوء على معاناة المعتقلين في وسائل الإعلام ومنظمات حقوق
الإنسان، قد يتم الضغط على الحكومات للمطالبة بتحسين ظروف احتجازهم وتحقيق مطالبهم".
وخلص للقول إن
"إضراب المعتقلين عن الطعام هو أداة احتجاجية تعكس الرفض القوي للظلم والقمع،
وقد يكون له تأثير على الرأي العام ويزيد من الضغط على النظام المصري".
وأكد أنه
"لتحقيق نتائج ملموسة؛ يجب أن يكون هناك تضامن واسع ودعم مستمر من المجتمع
الدولي والمنظمات الحقوقية، بالإضافة إلى مساندة الشعب المصري للمطالبة بتحقيق
العدالة والحرية للمعتقلين السياسيين".
"حق قانوني"
من جانبه، قال
الحقوقي المصري محمد زارع، إن "إضراب المسجونين عن الطعام حق قانوني، يلفت
النظر إلى ما يتعرضون له من انتهاكات بشكل سلمي، ويعرض قضيتهم واعتراضهم على أوضاع
معينة، كونه طبقا للقانون حق مكفول ولا يجوز انتقاده، ونتمنى لهم السلامة أولا،
وتحقيق شروطهم المشروعة والإفراج عنهم ثانيا".
وتحدث زارع، إلى
"عربي21"، عن "احتمالات استجابة الإدارة أو الدولة أو مصلحة السجون
لمطالب المضربين عن الطعام من المسجونين السياسيين، ومدى تحقيق الإضراب النتيجة
المرجوة منه"، مؤكدا أن "هذه أمر لا يمكن لأحد التكهن به".
لكنه توقع أن
"يلفت الإضراب نظر الإدارة خاصة لو جاء بشكل منظم وتم بشكل واسع، كما يلفت
نظر منظمات دولية وربما حقوقيون أجانب حيث تعمل الدولة حساب أكبر لهم"، مشيرا
لاحتمال أن "يُحدث الإضراب الواسع المصحوب بدعاية إعلامية واسعة نتيجة
واستجابة من الدولة لمطالب المسجونين أو حتى بعضها".
اظهار أخبار متعلقة
ويرى الحقوقي
المصري، أن "دعمهم أمر واجب ليس في الإضراب فقط، ولكن دعمهم في موقفهم
القانوني، خاصة وأنهم أناس يتم تقديمهم للمحاكمات مرات ومرات وتجري إعادة تدويرهم
في توجه مخزي ومحزن".
وقال: "أنا
مع دعمهم بكل الطرق السلمية الممكنة، وأن يتم النشر عنهم، مع توجيه رسائل للجهات
المختصة، وتشجع المنظمات الدولية للتدخل في الأمر ما قد يسمح لهم بزيارة السجون".
ويعتقد أن
"هذا في النهاية يعرف العالم بأن هؤلاء مظلومون، وأن إدارة الدولة للملف
وطريقتها مع المعارضة بالسجن والمحاكمات واستخدام مؤسسات الدولة في إعادة
المحاكمات مرة أخرى لابد من وقفه تماما".
وأعرب عن أمنيته
في "نجاح الإضراب، وأن تقتنع الإدارة المصرية والسلطات المختصة بالإفراج عمن
يستحق الإفراج، وتتوقف عن محاكمة الناس عن جرائم واهية أو عن جرائم سبق محاكمتهم
عليها وهم في قبضتها".
وخلص للقول:
"أتمنى أن ينتهي هذا الكابوس، وأن تكون هناك إدارة تتعامل برشد في حكمها
للدولة، وطريقة معاملة المعارضة، ولدينا نماذج نرى منها نتيجة حجم القمع غير
المسبوق وضياع الدولة نفسها وليس السلطة السياسية فقط، وأتمنى ألا يحدث ذلك وننقذ
هؤلاء الناس قبل فوات الأوان".