مدونات

قصة مهند قطيش: كم من فنان "ذهب بشسع نعل كليب"

عادل العوفي
"مهند قطيش اختصر بالإضافة إلى قصته الصعبة طبعا؛ العلاقة المبنية بين رجال الأمن والفروع المختلفة في كل بقاع سوريا والدراما السورية خاصة"- إكس
"مهند قطيش اختصر بالإضافة إلى قصته الصعبة طبعا؛ العلاقة المبنية بين رجال الأمن والفروع المختلفة في كل بقاع سوريا والدراما السورية خاصة"- إكس
ظلت شخصية "جلال" التي جسّدها الفنان السوري مهند قطيش في مسلسل "عناية مشددة" الذي أنتج سنة 2015 عالقة في ذهني طوال سنوات خلت، وكنت أنوي يوما ما أن أسأله إذا أتيحت لي فرصة لقائه عن خلفيات الدور وكيف برع في تجسيد معاناة ذلك العائد من جحيم الاعتقال، والذي اعتمد أدائيا على تعابير وحركات وجهه فقط دون أن ينبس ببنت شفة طوال كل مشاهده.

صحيح لم يكن "جلال" دورا محوريا في كل الأحداث؛ لكن أداء مهند "الصامت" ظل محفورا بالذاكرة؛ دون أن أدري أنه يخفي وراءه قصة حقيقية موجعة كشف عنها مؤخرا بعد سقوط نظام الأسد، وكيف قضى ثلاث سنوات معتقلا في سجن "صيدنايا" السيئ السمعة بسبب سلسلة مقالات كتبها رفقة زميله الصحفي يحيى الأوس عن الشخصية القوية آنذاك والمهيمنة على الفضاء والهواء في سوريا، ونقصد هنا عبد الحليم خدام نائب الرئيس وصاحب شركة "الشام الدولية للإنتاج الفني" المستبدة بالوسط الفني السوري لسنوات وعقود.

شخصيا حاورت العديد من الفنانين السوريين وبالأخص من رفعوا راية العصيان ضد النظام منذ صرخة درعا الأولى، وعلى رأس القائمة الفنانة الراحلة فدوى سليمان بالإضافة إلى أسماء أخرى عديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر زينة الحلاق ولويز عبد الكريم وواحة الراهب وناندا محمد وعامر سبيعي وغيرهم الكثير، لكن هناك أسماء أخرى ظلت قصصها مغيّبة عن الإعلام ولم تتم إماطة اللثام عنها سوى بعد انعتاق الشعب السوري ونيل حريته من النظام المجرم. ومؤخرا كرت السبحة وهناك نماذج عدة أفصحت عما كانت تكابده في السر على غرار مهند قطيش وبسام دكاك وحتى باسل خياط وآخرين كثر التزموا الصمت لأسباب متعددة حينها.

كل هذا يكشف بجلاء الإحاطة التامة للأمن بكل ما يجري ويدور في الوسط الفني، وبناء عليه تعقدت العلاقة أثناء اندلاع الثورة السورية المباركة لتضع بعض الفنانين بين فكي كماشة

الملفت فيما سرده مهند قطيش أنه اختصر بالإضافة إلى قصته الصعبة طبعا؛ العلاقة المبنية بين رجال الأمن والفروع المختلفة في كل بقاع سوريا، والدراما السورية خاصة، حين روى كيف استقبله الضابط بعبارة "أهلا يا سَلَمة". وسلمة هو أهم أدوار قطيش وجسّده بروعة في المسلسل التاريخي الملحمي "الزير سالم" تأليف المبدع الراحل ممدوح عدوان وإخراج العبقري حاتم علي. وأضاف مهند أن نفس المحقق يصر على مخاطبته باللغة العربية الفصحى حتى أنه لخص له عقوبته بالقول "ذهبت بشسع نعل كليب"، العبارة الشهيرة للحارث بن عباد.

كل هذا يكشف بجلاء الإحاطة التامة للأمن بكل ما يجري ويدور في الوسط الفني، وبناء عليه تعقدت العلاقة أثناء اندلاع الثورة السورية المباركة لتضع بعض الفنانين بين فكي كماشة. وشخصيا أعرف كيف اضطر البعض منهم لمجاراة المقربين من النظام خوفا من العواقب مما أدى لتصنيفهم في قوائم العار رغم كرههم له، لكنهم ظلوا عاجزين عن المجاهرة بالحقيقة.

المؤكد أن قصصا أخرى ستروى وستصدم المتابعين والمنبهرين بالعالم "الساحر" للفن دون أن يغوصوا في تفاصليه القاتمة السواد؛ وكم من فنان موهوب حكم على موهبته بالإعدام وعانى من التشرد ولم يحتمل ضنك الغربة وقسوتها. وملفات الفنانين السوريين مكتنزة بالحكايات التي طمستها الديكتاتورية والقبضة الحديدية التي انهارت واستسلمت في النهاية كحال كل المستبدين في كتب التاريخ، كما اختصر ذلك الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط بالقول: "الطغاة كالأرقام القياسية، لا بد من أن تتحطم في يوم من الأيام".
التعليقات (0)