مقالات مختارة

القوة المفرطة والإرادة المفرطة!

محمد سليم قلالة
إرادة المقاومة المفرطة في الصلابة، في مواجهة القوة الصهيونية- الأناضول
إرادة المقاومة المفرطة في الصلابة، في مواجهة القوة الصهيونية- الأناضول
يَدلُ ما يحدث اليوم في غزة مِن مواصلة إبادة وحرق وتدمير جميع مقومات الحياة، ومواصلة العدوان على اليمن بكافة الوسائل التخريبية للقضاء على الحياة فيه، على أمر واحد: أننا نسير باتجاه عالم لا تَحكمه القوة وحدها إنما القوة المفرطة التي لا تعترف بأية حدود، وهذا في جميع المجالات، التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية وغيرها.! لا يعيش فيه جنبا إلى جنب الضعفاء والأقوياء، بل يخضع فيه الضعفاء لِلأقوياء ويأتمرون بأوامرهم بالضرورة! لذلك، تُعد هذه مرحلة من أسوأ مراحل الهيمنة الغربية على الآخرين، لم يعد الغرب فيها يشك أن الهوة الكبيرة الفاصلة بينه وبقية العالم المتخلف اقتصاديا ما فتئت تزداد، بل أصبح شبه متأكد أنها لن تضيق أبدا في المدى المنظور.. ولولا تلك المجموعة القليلة من الدول التي تتعامل معه وفق حسابات ميزان القوة (مجموعة بريكس) لأعلن سيطرته الأبدية على العالم. مع ذلك فإنه مازال -مع هذه المجموعة بالذات – يؤمن بنجاعة سياسة لي الذراع لِمنعها من امتلاك كافة عناصر القوة حتى يحتكر وحده القوة المفرطة…

ومعناه أن بقية العالم أصبح بالمنظور الغربي محكوما بِبند الخضوع لقواعد العلاقات الدولية المفروضة اليوم والقائمة على مبدأ الإخضاع بالقوة. وما يحدث بغزة بالتحديد هو رسالة واضحة للجميع في هذا المجال. تقول هذه الرسالة: بما أنكم لا تستطيعون مواجهة قوتنا المفرطة أنتم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الخضوع لإرادتنا المتحكِّمة في زمام العالم أو سيكون مصيركم مصير غزة أو اليمن أو السودان وحتى مصير العراق وليبيا…

وقد أعلنها مجرمو الكيان الصهيوني أكثر من مرة بوضوح تام..

ما العمل في هذه الحالة وقد باتت قواعد اللعبة الدولية تُدار بهذه الكيفية؟

ليس هناك من بديل آخر لنا سوى أمرين:
الأول: التكتل والعودة إلى سياسات التكامل والاعتماد المتبادل، وربط علاقات استراتيجية بعيدة المدى مع القوى الكبرى والقوى الصاعدة المناهضة للغرب وهذا عمل بعيد المدى نستطيع من خلاله امتلاك الحد الأدنى من أسباب القوة الرادعة لهذه الهيمنة الغربية المتزايدة باستمرار… كما نستطيع عبره الشروع في تقليص التأثيرات التي باتت تتركها التكنولوجيا المتقدمة على العلاقات الدولية اليوم، إن كان ذلك في المجال العسكري أو الاقتصادي أو السياسي أو غيرها من المجالات…

أما الأمر الثاني فهو امتلاك الإرادة المفرطة في مواجهة القوة المفرطة.. وهذا النموذج غير متوفر اليوم إلا في غزة! إرادة المقاومة المفرطة في الصلابة، في مواجهة القوة الصهيونية المفرطة في التدمير! .. علينا تسجيل ذلك، وعلينا أن نعمل لكي لا تفشل المقاومة في تحقيق ذلك، باعتبارها الوحيدة اليوم المُجسِّدة لهذا النوع من المواجهة بين فرط القوة وفرط الإرادة..

ولعلنا نكاد نجزم بعد الذي رأيناه يحدث أمامنا، أن ما تقوم به المقاومة في الميدان اليوم، سيتم وصفه في السنوات المقبلة بأنه من قبيل الخيال.. وحينها فقط سيكتب المحلِّلون كيف يمكن لفرط الإرادة هزيمة فرط القوة.. وستتم مراجعة القواعد الناظمة للعلاقات الدولية انطلاقا من هذا الأساس الجديد تحت عنوان: كيف تواجه القوة المفرطة بالإرادة المفرطة على طريقة الغزاويين في فلسطين…

(الشروق الجزائرية)
التعليقات (0)