قضايا وآراء

فن إدارة التغيير: النموذج السوري (2)

حسام الشاذلي
"آليات رئيسية قد تزيد من فرص نجاح عملية التغيير في سوريا وفي كل بلد حر يسعي للتغيير أو يعاني من عملية تغيير فاشلة يسعي لإصلاحها"- جيتي
"آليات رئيسية قد تزيد من فرص نجاح عملية التغيير في سوريا وفي كل بلد حر يسعي للتغيير أو يعاني من عملية تغيير فاشلة يسعي لإصلاحها"- جيتي
المقدمة:

تحدثنا في الجزء الأول عن مفهوم العملية التغييرية المجتمعية ومدى تعقيدها، والحاجة الماسة إلى فريق مؤهل في إدارة التغيير لإدارة هذه المرحلة، مع العلم أن الأبحاث تثبت أن أكثر من 70 في المئة من عمليات إدارة التغيير تبوء بالفشل. وقد تعرفنا في الجزء الأول على عدد من الآليات الرئيسية التي قد تزيد من فرص نجاح عملية التغيير في سوريا الحبيبة، وفي كل بلد حر يسعي للتغيير أو يعاني من عملية تغيير فاشلة يسعى لإصلاحها، ونستكمل الجزء الثاني منها في مقال اليوم.

رابعا: الحفاظ على الحاضنة الشعبية وتقويتها:

يعد الحفاظ على حجم الحاضنة الشعبية وزيادتها، من أكثر الأهداف حساسية في إدارة أي تغيير مجتمعي، خاصة أن تلك الحاضنة تكون الهدف الرئيسي للقوى المعادية للتغيير والقوى المقاومة له، ويجب تجييش كل الأدوات من أجل إعلاء مفهوم ورؤية الثورة، وتجنب الوقوع في فخاخ قوى الماضي أو في أحد ثلاث مصائد كما يلي:

يعد الحفاظ على حجم الحاضنة الشعبية وزيادتها، من أكثر الأهداف حساسية في إدارة أي تغيير مجتمعي، خاصة أن تلك الحاضنة تكون الهدف الرئيسي للقوى المعادية للتغيير والقوى المقاومة له، ويجب تجييش كل الأدوات من أجل إعلاء مفهوم ورؤية الثورة، وتجنب الوقوع في فخاخ قوى الماضي.

أولا؛ أن تقوم مجموعة معينة بتكوين مجلس رئاسي لإدارة البلاد، ويقومون بعقد الاجتماعات المغلقة، ورغم كونهم يحملون رؤية تغييرية ثاقبة، يبدأ التواصل مع الحاضنة الشعبية في الخمول؛ وهذا خطير جدا على العملية التغييرية، ولهذا يجب أن يكون التواصل مع الشارع دائما ومتصلا، باستخدام كل الأدوات والقنوات المتاحة.

ثانيا؛ أن يمضي قائد العملية التغييرية (رئيس الحكومة) وقتا كبيرا في إلقاء الخطب وعمل اللقاءات، مع عدم التأكد من كون اللغة المستخدمة مفهومه من الجميع، خاصة طبقات الشعب المختلفة، وأن أسئلة الشارع يتم إجاباتها أولا بأول.

ثالثا: ترك المجال مفتوحا لقوى الماضي أو ما يعرف بالدولة العميقة للتأثير على الحاضنة الشعبية، وعدم التقليل من قدرات قوى الماضي وعدم السماح لهم بالوجود مطلقا على الساحة السياسية أو الإعلامية؛ لأن هذا يخلق حالة من البلبلة، تشكك الشعب في قيادته الثورية وتهدد عملية التغيير.

خامسا: القيام بإزالة كل المعوقات والتعامل الصارم مع قوي الماضي:

لا بد من العلم بأن الثورات مثلها مثل أي عملية تغييرية تنجح مع زيادة المؤيدين لها، وهنا يجب الإبداع في عمليات ضم مؤيدين جدد والبدء بمن هم على الحياد (حزب الكنبة)، فلا بد من استحداث آليات لضم الغالبية العظمى لحزب الثورة.

ويجب أن تعلم القيادة الثورية، بأن كل قرار تتخذه سوف يؤدي دورا مهمّا في تحديد ملامح المرحلة والتصدي لكل المعوقات، ولهذا فيجب أن تكون هناك صلاحيات كبيرة لمجلس قيادة الثورة والحكومة الثورية للقيام بذلك.

ويجب العلم بأن استراتيجيات المعركة بين الحق (الثورة) والباطل (قوى الماضي ومن يعينهم)، تتطلب تقليم أظافر عدوك إذا ما تمكنت، ولهذا فإن من أهم آليات صناعة عملية تغييرية ناجحة، هي مصادرة أدوات (أموال) وممتلكات كل من كان جزءا من نظام بشار الأسد، وألا يسمح لهذه القوى بامتلاك قنوات إعلامية تبث من داخل البلاد وسحب التراخيص منهم، وأن يتم ذلك من خلال محاكمات سريعة تخضع لقوانين طارئة، وتمثل روح الثورة ويد العدالة الثورية.

سادسا: التخطيط الهيكلي لتحقيق إنجازات محددة على المدى القصير:

الإنجازات قصيرة المدي هي عامل رئيسي في إنجاح عملية التغيير، خاصة عندما يكتشف الناس بعد فترة قصيرة، أن التغيير المجتمعي يحتاج إلى وقت طويل وإلى مصادر للتمويل، وتتدخل فيه أبعاد سياسية كثيرة، فلا بد للقيادة الثورية أن تكون مستعدة ومؤهلة لهذه المرحلة.

عمليات التغيير المجتمعية والتحول من الدولة الديكتاتورية إلى الديمقراطية، هي عملية معقدة ولها مراحل متعددة، وتستلزم مجهودات خارقة على كل المستويات، المشكلة أن القاعدة التغييرية تؤكد أن معظم الناس سيبدأ الميل إلى الانضمام للطرف المحايد، إذا لم يرَ إنجازات واضحة في خلال 6 إلى 12 شهر الأولى، وهي الفرصة التي تنتظرها دائما قوى الدولة العميقة للانقلاب على الثورة.

وهنا يأتي دور ما يعرف بمراكز الجذب التغييري، التي تتحكم في أداء الحكومة في المجالات المختلفة، مثل التعليم والصحة والاقتصاد والحريات ومعدلات النمو وغيرها كثير ليس هذا مكانها، ولكن هناك آليات لتحديدها وقياس مدى تأثيرها على عملية التغيير، لكي يتم تحديدها وتوظيفها.

ولكننا يجب أن نعي أن هناك فرقا كبيرا بين صناعة الإنجازات قصيرة المدى، والعمل بجد وأمانة واجتهاد والانتظار لكي تحدث الإنجازات، فالأول إيجابي والثاني سلبي، فالأول يتطلب تخطيطا محكما بأهداف واضحة وآليات تنفيذ، تضمن حدوثه في توقيتات محددة على المدى القصير، كما تحتاج إلى ظهير شعبي يؤيدها وإعلام محترف يروج لها وقوة تحميها، واتفق الدارسون على أن تلك الفترة لا يجب أن تزيد عن 6 أشهر.

إن الإنجازات قصيرة المدي هي عامل رئيسي في إنجاح عملية التغيير، خاصة عندما يكتشف الناس بعد فترة قصيرة، أن التغيير المجتمعي يحتاج إلى وقت طويل وإلى مصادر للتمويل، وتتدخل فيه أبعاد سياسية كثيرة، فلا بد للقيادة الثورية أن تكون مستعدة ومؤهلة لهذه المرحلة وشبيهاتها، حتى تحط السفينة على شاطئ مستقبل آمن ودولة مزدهرة مستبشرة.

يتبع..
التعليقات (0)