"تم إلغاء الآلاف من عقود الزواج منذ الكشف عن مقترحات تعديلات مدوّنة الأسرة في
المغرب" هو خبر كاذب، انتشر كالنار في الهشيم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية؛ نفته الرابطة الوطنية للعدول.
وأكّد رئيس الرابطة الوطنية للعدول في المغرب، بوشعيب الفضلاوي، عبر تصريحات صحافية، أنّ: "ما يروج حول إلغاء مواعيد إبرام عقود الزواج أخبار غير صحيحة"، موضّحا أن المقترحات التي يتمّ النقاش بخصوصها "لن يتم تنزيلها على أرض الواقع، إلا بعد إعداد مشروع القانون والمصادقة عليه".
وفيما دعا الفضلاوي، المغاربة، إلى "تمحيص المعلومات التي يتلقونها قبيل تصديقها وترويجها"، أبرز أن "مواعيد عقود إبرام الزواج ارتفعت أعدادها ولم تُلغ.. ومن يروجون أخبار الإلغاء عليهم أن يأتوننا بحالة واحدة".
خلال هذا التقرير ترصد "عربي21" جُملة من الآراء التي أثارت جدلا واسعا، منذ اللحظات الأولى من كشف وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، عن مقترحات تعديلات القوانين المرتبطة بالأسرة (مدوّنة الأسرة)، لتحاول الجواب على سؤال يتم تسليط الضوء عليه: هل المقترحات المُعلنة تظلم الرجال حقّا؟
نقاش مُستفيض
"هنيئاً للرجال بنعمة العزوبة، وهنيئاً للعوانس بعنوستهن، فلن يجرؤ على الزواج أحد بعد اليوم" بهذا التعليق، أثار رئيس "الجمعية المغربية للسلام والبلاغ"، محمد الفيزازي، موجة نقاش مُتباين على الفضاء الرقمي بالمغرب.
وعبر منشور له على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أعرب الفيزازي عن قلقه، مما وصفها بـ"الحقوق الجديدة المقدمة للنساء"، مبرزا: "هنيئاً للمطلقة بالحضانة المستمرة، وبالنفقة حتى بعد زواجها من رجل آخر".
واعتبر الفيزازي، في الوقت نفسه أنّ: "التعديلات قد تخلق تحديات للزواج والاستقرار الأسري"، وهو ما فتح بابا للنقاش، بين مؤيدين لكلامه، خاصّة من الرجال، وبين معارضين له بالقول: "تسقط القوانين حين يلتقي رجل صالح مع امرأة صالحة، بنية سليمة للزواج".
بدوره، انتقد القيادي السابق بحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، والعالم المقاصدي، أحمد الريسوني، ما وصفه بـ"الاتجاه العام للاجتهاد الرسمي المعتمد في تعديل
مدونة الأسرة".
وخلال تعليق نشره مركز دراسات وأبحاث المقاصد، أوضح الريسوني: "هذه الاختيارات الفقهية/ القانونية بشكل عام تندرج في نطاق ما يستحق المراجعة والاجتهاد والتعديل..".
"لكن المشكلة، تكمن في هذا الاتجاه العام للفقه الرسمي، وهو التضييق والضغوط على الرجل: قبل زواجه، وأثناء زواجه، وبعد الطلاق، وبعد الوفاة…!" بحسب الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وهو ما فتح بدوره موجة نقاش أخرى بين مختلف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بمختلف فئاتهم.
وتابع الريسوني: "المشكلة التي ستتفاقم بسبب هذا الاتجاه وستكون لها آثار سلبية أكثر على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة في المقام الأول، هي دفع الشباب إلى المزيد من العزوف عن الزواج والخوف منه.. مقابل التسهيلات والإغراءات المريحة التي تقدمها حياة العزوبية والعلاقات الحرة".
أيضا، أبرز الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالقول: "المرأة نعم ستجد المرأة المزيد من الحقوق والمكاسب والصلاحيات، لكن وجود الزوج نفسه سيصبح صعباً بشكل متزايد".
هل المُقترحات تظلم الرجل المغربي؟
تفاعلا مع النقاش العام الدّائر على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، توجّهت "عربي21" لرصد جُملة من الآراء، على اختلافها، لمُحاولة الجواب على السؤال المطروح: هل المقترحات الموضوعة على طاولة النقاش في المغرب بإمكانها ظلم الرجال المغاربة؟
البداية من رئيس الجمعية الوطنية للمساعدة الاجتماعية بقطاع العدل، محمد حبيب، الذي قال: "من الضروري أن تُعالج هذه التعديلات الإشكاليات الواقعية دون أن تميل لصالح طرف على حساب الآخر".
وأوضح حبيب، في حديثه لـ"عربي21" أنه: "لا أنكر أهمية حماية حقوق المرأة والأطفال، ولكن يجب أيضًا مراعاة وضعية الرجل لضمان أن التعديلات لا تُثقل كاهله بأعباء مادية واجتماعية إضافية دون مبرر"، نافيا في الوقت ذاته أن هذه المقترحات تحمل ظلما للرجال.
"بالنسبة للحضانة والنفقة، أعتقد أن الأولوية يجب أن تكون دائمًا لمصلحة الطفل، مع ضمان توزيع عادل للمسؤوليات بين الأب والأم" وفقا لحبيب، الذي تابع: "فيما يخص التعدد، أراه قضية حسّاسة تتطلب تشديد الشروط بدل الإلغاء التام، لضمان أن يُمارس في إطار عادل ومنصف".
وأبرز المتحدث نفسه لـ"عربي21" أن: "الحوار المجتمعي وإشراك جميع الأطراف، رجالا ونساءً، هو السبيل الأمثل للوصول إلى تعديلات تحقق العدالة الاجتماعية وتحافظ على استقرار الأسرة المغربية".
من جهتها، أوضحت المتخصصة في قانون الأسرة، نجاة البقالي: "ما يتداوله المغاربة هو مجرّد مقترحات للتعديلات، لم تدخل بعد حيز التنفيذ، وهذه المقترحات جاءت بعد تبني الحكومة منهجية استشارية بتعليمات ملكية، تلقّت خلالها مقترحات مختلف التوجهات للوصول إلى توافق لم يكن يسيرا".
وأكدت البقالي، عبر تصريحات صحافية، أنّ: "هذه التعديلات لم تصل حتى إلى البرلمان، حيث ينتظرها نقاش حاد تحت قبة البرلمان بعد المصادقة عليها من قبل مجلس الحكومة، قبل أن تتحوّل إلى قوانين مُلزمة".
اظهار أخبار متعلقة
رابطة علماء المغرب تدخل على الخط.. "تتضمن مخالفات صريحة لما هو مجمع عليه في الشريعة الإسلامية" هكذا علّقت رابطة علماء المغرب العربي على المقترحات التي يروج النقاش بخصوصها حاليا، فيما عبّرت عن القلق إزاءها، في بيانها، أمس الأربعاء.
وبحسب الرابطة، فإنّ: "التعديلات تمس ثوابت الدين الإسلامي والإجماعات الفقهية"، مردفة في الوقت نفسه أنّ: "تطبيقها قد يؤدي إلى تصادم القانون مع الشريعة الإسلامية، ما قد يدفع الناس للجوء إلى الفتاوى الشرعية، بدلا من التقاضي في المحاكم".
بيان الرابطة، الذي وصل "عربي21" نسخة منه، أشار إلى أن "أبرز المخالفات التي تضمنتها التعديلات تشمل إسقاط شرط الشهادة في عقد الزواج، والذي يعد من أركانه الأساسية في الشريعة، بالإضافة لتخويل الأم الحاضنة ولاية قانونية على الأبناء بعد الطلاق، وهو ما يعد ظلما للزوج وحرمانه من حقوقه الشرعية".
أيضا، استنكر البيان، ما وصفه بـ"فرض القوانين المتعلقة بديون الزوجة والتي تتناقض مع الإجماع الفقهي، وكذلك إقرار فكرة تقاسم أموال الزوجين في حالة الطلاق، وهو أمر مخالف لأحكام الزواج في الإسلام".
وفيما يخص موضوع الإرث، أبرزت الرابطة أنّ: "تعديل حقوق الورثة فيما يتعلق بالميراث يعد تعديًا على أحكام الشريعة الإسلامية، خصوصا فيما يتعلق بحجب حقوق أفراد الأسرة من أم الزوج وأخته".
اظهار أخبار متعلقة
وحذرت من أن: "هذه التعديلات، نتيجة لضغوط دولية، سوف تزيد من تفاقم المشاكل الأسرية وتؤدي إلى زيادة النزاعات داخل الأسرة، ما يضر بالمرأة بشكل خاص"، مستفسرة عن سبب عدم اقتراح قانون خاص بالمذهب المالكي يسمح للمسلمين بالتحاكم وفق شريعتهم، بدلا من فرض قوانين علمانية.
إلى ذلك، أكّدت الرابطة على: "ضرورة وقوف العلماء والقضاة والمجتمع المدني ضد هذه التعديلات، حفاظا على ثوابت الدين الإسلامي والشريعة المالكية التي يعتمدها المغرب"، داعية إلى: "العودة إلى الشريعة الإسلامية التي تمثل ضمانة للعدالة والاستقرار في المجتمع".
من جديد.. هل يُمكن تعديل المُقترحات؟
قالت الباحثة في القانون الدستوري والعلوم السياسية، مريم بليل إنه: "في عرف التشريع، إن القوانين التي تخضع لمسطرة تشاورية بإشراف ملكي، وإشراك جل المؤسسات، يتم الحسم فيها غالبا خلال هذه المرحلة الجارية. وإلاّ لماذا الخوض في هذه المرحلة التي استثمر فيها وقت ومجهود وعمل المؤسّسات".
"يبقى الرّهان على النخبة البرلمانية في أن تكون هناك تعديلات جوهرية في الخطوط الكبرى التي تم تحديدها في هذه المرحلة" بحسب مديرة المشاريع في جمعية "سمسم" مشاركة مواطنة التي تهتم أساسا بالعمل البرلماني.
وتابعت بليل، في حديثها لـ"عربي21": "شخصيا لا أرى أنه سيكون هناك تعديلات كبرى على مستوى البرلمان، بحكم التوازنات بين الأغلبية والمعارضة، ثمّ إنه بالقراءة في بلاغات الهيئات التابعة مثلا للعدالة والتنمية نرى أن هناك اتّفاقا كبيرا..".
إثر ذلك، أردفت بليل بالقول: "إن كان هناك تغييرات، فإنها ستكون انطلاقا من ضغط المجتمع المدني، وهو الذي أرى أن جزءا كبيرا منه ثمّن أيضا التعديلات المقترحة".
وكان الملك المغربي، محمد السادس، قد دعا حكومته إلى التواصل المُباشر مع المغاربة لشرح مضامين التعديلات على مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، وذلك خلال ترؤسه بالقصر الملكي بالدار البيضاء، مساء الاثنين، جلسة عمل لمراجعة مدوّنة الأسرة، عقب رفع الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، تقريرها، للملك، بعد انتهاء مهامها.
اظهار أخبار متعلقة
وبحسب بيان للديوان الملكي، وصل "عربي21" نسخة منه، فإنّ: "تقرير هيئة مراجعة مدونة الأسرة تضمن أكثر من 100 مقترح تعديل على المدونة"، مردفا: "الملك -بصفته أميرا للمؤمنين- أحال التعديلات المرتبطة منها بنصوص دينية على نظر المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى هيئة دينية في المغرب، والذي أصدر بشأنها رأيا شرعيا".
أيضا، دعا الملك، المجلس العلمي الأعلى لـ"مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية (لم يحددها) التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تساير متطلبات العصر".