قضايا وآراء

دروس الثورة المصرية للثورة السورية: قراءة في المسارات والآفاق

ممدوح المنير
"أهمية استمرار الحالة الثورية حتى بعد سقوط النظام"- جيتي
"أهمية استمرار الحالة الثورية حتى بعد سقوط النظام"- جيتي
الثورة المصرية والثورة السورية كانتا من أبرز محطات الربيع العربي، تحملان آمال الشعوب في التحرر من الاستبداد والفساد. ورغم الاختلافات في السياقات المحلية والإقليمية، إلا أن كليهما واجه تحديات كبرى وعقبات متشابهة في السعي نحو بناء دول تحقق الكرامة والحرية لشعوبها.

من قلب هذه التجارب، وهي تجارب مريرة عشناها فيما بعد سقوط الأنظمة وليس تنظيرا في الفراغ، يمكن استخلاص دروس حاسمة من الثورة المصرية لتكون نبراسا يضيء الطريق أمام الثورة السورية، التي لا تزال تواجه واقعا معقدا في ظل التدخلات الدولية والإقليمية.

فعالم الأماني والأحلام ليس له مكان في واقع الدول وتعقيدات السياسية وتحفّزات المتربصين. أذكر بعد ثورة يناير كان هناك قيادي إسلامي بارز يلقي درسا في أحد المساجد وهذا أصلا معجزة وقتها، وقد فاز الإسلاميون وقتها بأغلبية مجلس الشعب وفي طور تشكيل الحكومة، فكان يتكلم بحماس وقال ما معناه "لقد انتهينا من مرحلة الحكومة المسلمة وفي طريقنا للوحدة العربية الإسلامية الجامعة"، وهو الآن قابع في السجن منذ عشر سنوات، فرج الله عنه وعن كل المعتقلين.

1- أول الدروس: الثورة لا تنتهي بسقوط الطاغية
على الثورة السورية أن تعي أن سقوط بشار الأسد ليس إلا البداية، التحدي الحقيقي يبدأ بعد إسقاط النظام، حيث يتطلب الأمر بناء مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية قوية تضمن عدم عودة الاستبداد بأشكال جديدة

أحد أخطر الأخطاء التي وقعت فيها الثورة المصرية كان اعتبار سقوط رأس النظام -حسني مبارك- نهاية الثورة. هذا الوهم أعطى فرصة ذهبية للقوى المضادة للثورة لإعادة تنظيم صفوفها والعودة عبر مؤسسات الدولة العميقة.

على الثورة السورية أن تعي أن سقوط بشار الأسد ليس إلا البداية، التحدي الحقيقي يبدأ بعد إسقاط النظام، حيث يتطلب الأمر بناء مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية قوية تضمن عدم عودة الاستبداد بأشكال جديدة.

٢- وحدة الصف الثوري ضرورة لا خيار

في مصر، كان الانقسام بين القوى الثورية، لا سيما بين التيارات الإسلامية والمدنية، أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل الثورة. غياب الثقة والتنسيق بين المكونات المختلفة مكّن القوى المضادة من الانفراد بكل طرف على حدة، حتى انتهى الأمر بانقلاب عسكري دموي.

الثورة السورية بحاجة إلى تفادي هذا السيناريو. يجب أن تبقى الفصائل الثورية موحدة تحت مظلة مشروع وطني جامع يتجاوز الخلافات الأيديولوجية والمصالح الشخصية.

3- الحذر من مؤسسات الدولة العميقة

في مصر، لعبت مؤسسات الدولة العميقة -الجيش، الشرطة، القضاء- دورا حاسما في إفشال الثورة. هذه المؤسسات لم تكن يوما حيادية، بل كانت أدوات في يد النظام القديم للحفاظ على مصالحه.

في سوريا، ورغم انهيار معظم مؤسسات الدولة تحت وطأة الحرب، فإن القوى المرتبطة بالنظام وأذرعه الأمنية والعسكرية ستسعى لإعادة تشكيل نفسها والعودة بوجوه جديدة. يجب الحذر من هذه المحاولات وإعادة هيكلة المؤسسات على أسس جديدة يعد من الأولويات.

لا تتخيلوا أنهم سيتنازلون هكذا طواعية عن مجدهم السابق، ستتواصل معهم دول الثورات المضادة وتنسق معهم لإفشال الثورة الوليدة، لذلك واجب الوقت هو تطبيق العدالة الانتقالية وتقليم أظافر النظام السابق وأحيانا قص الأصبع كاملا وليس قص الظفر فقط، هذا واجب المرحلة مع من تلوثت أيديهم بالدماء وتورّطوا في انتهاكات يشيب لها الولدان.

أحاديث التسامح والمحبة وفتح صفحة جديدة مع قادة ورموز النظام مآلها إلى الخسران، قد يُقبل بها تكتيكيا أو مرحليا وليس كخيار استراتيجي، لا بد من القصاص والتطهير، وجعل الدولة العميقة في حالة دفاع دائم وإلا ستنقض في اللحظة المناسبة. هذه واحدة من أهم حكم ثورات الربيع العربي للثورة السورية.

أحاديث التسامح والمحبة وفتح صفحة جديدة مع قادة ورموز النظام مآلها إلى الخسران، قد يُقبل بها تكتيكيا أو مرحليا وليس كخيار استراتيجي، لا بد من القصاص والتطهير، وجعل الدولة العميقة في حالة دفاع دائم وإلا ستنقض في اللحظة المناسبة

4- القضية الفلسطينية في القلب

الثورة المصرية أغفلت في لحظاتها الحاسمة الأهمية الاستراتيجية للقضية الفلسطينية، أو بمعنى أدق وجود الاحتلال على بوابته الشرقية. النظام المصري الحالي استغل هذا الغياب للتقارب مع إسرائيل بشكل غير مسبوق، ليصبح شريكا رئيسيا في دعم الاحتلال الإسرائيلي وحصار غزة، وبالتالي ربط النظام بقاءه ووجوده بدعم الاحتلال له، فالكيان الصهيوني داعم للاستبداد ومعوق للنهوض والرخاء.

على الثورة السورية أن تعي أنه لا تحرر ولا دولة رفاة دون التخلص من الاحتلال الصهيوني، سوريا الحرة التي ننشدها لا يمكن أن تكون حرة إذا اختارت أن تكون محايدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، لأن الاحتلال لا يريد حيادا، هو يريدك مصطفا معه كاملا وليس جزئيا.

5- التعامل مع التدخلات الخارجية بحذر

من الأخطاء الكارثية في التجربة المصرية كان الارتهان لبعض القوى الإقليمية والدولية التي استخدمت الثورة لتحقيق مصالحها الخاصة، ثم تخلت عنها عندما تعارضت هذه المصالح مع المطالب الشعبية.

الثورة السورية، التي تعاني من تدخلات إقليمية ودولية أكثر تعقيدا، تحتاج إلى استراتيجية ذكية للتعامل مع هذه التدخلات. الاعتماد الكامل على أي طرف خارجي قد يعرض الثورة للابتزاز أو الانحراف عن أهدافها الأساسية، الأتراك والروس -مرحليا- وربما في الأخير الإيرانيون -كورقة أخيرة- قد يكونوا كلمة السر، لمواجهة الصهاينة الذين لن يهدأ لهم بال حتّى يقضوا على كامل البنية التحتية العسكرية للدولة. لا بد أن تكون هذه التحالفات وفق قواعد وشروط تحفظ للثورة مكتسباتها، ولن تنجح هذه المعادلة إلا إذا ما تمت إدارة الملفات بذكاء ومعرفة نقاط التموضع المرحلية والدائمة.

6- بناء مشروع سياسي واضح

غياب المشروع السياسي الواضح كان من أهم أسباب إخفاق الثورة المصرية. التركيز كان على إسقاط النظام دون تقديم بديل قوي ومقنع، وهذا الفراغ أتاح للقوى المضادة ملء المشهد بأجنداتها الخاصة.

لا يمكن تكرار هذا الخطأ، وتجربة الائتلاف الوطني السوري مثال على ضرورة وجود رؤية سياسية متفق عليها، والائتلاف فشل في تمثيل كل أطياف الثورة بسبب خلافات بين التيارات الإسلامية والعلمانية. التعلم من هذه التجربة يتطلب إنشاء كيان سياسي موحد يُعبّر عن الجميع، فضلا عن مشروع سياسي شامل يحدد ملامح الدولة المستقبلية. يجب أن يكون هذا المشروع متفقا عليه بين جميع القوى الثورية، ليقدم رؤية واضحة للشعب السوري وللعالم عن سوريا ما بعد الأسد.

8- أهمية البقاء في الشارع

في مصر، أدى الانسحاب المبكر من الميادين بعد سقوط مبارك إلى فقدان الثورة لزخمها الشعبي، ما سمح للقوى المضادة بالعودة تدريجيا.

على السوريين أن يدركوا أهمية استمرار الحالة الثورية حتى بعد سقوط النظام. الحفاظ على الوجود الشعبي في الشارع يمنح الثورة قوة ضغط ضد أي محاولة للالتفاف عليها أو إعادة إنتاج النظام القديم.

8-الإعلام كسلاح ثوري

الإعلام كان أداة حاسمة في تفجير الثورة المصرية، لكنه أصبح لاحقا سلاحا بيد القوى المضادة لتشويه الثورة وشيطنة رموزها.

الثورة السورية بحاجة إلى إعلام قوي وموحد يقدم سردية الثورة للعالم، ويفضح جرائم النظام السابق وداعميه، ويواجه محاولات التشويه التي تقودها المنصات الإعلامية الموالية للاستبداد، ويفضح ما يفعله الصهاينة بسورية.

9- رفض التنازلات الكبرى
الثورة السورية يجب أن تكون حذرة من تقديم أي تنازلات تمس جوهر مشروعها التحرري أو تتعارض مع أهدافها طويلة الأمد، فالسقوط في بئر التنازلات لا قرار له

قدمت القوى الثورية في مصر تنازلات كبيرة، سواء للجيش أو للغرب، أملا في الحفاظ على الثورة. هذه الثورة السورية يجب أن تكون حذرة من تقديم أي تنازلات تمس جوهر مشروعها التحرري أو تتعارض مع أهدافها طويلة الأمد، فالسقوط في بئر التنازلات لا قرار له.

10- الثورة ليست مجرد تغيير وجوه

التجربة المصرية أظهرت أن تغيير الوجوه لا يعني تغيير النظام، فالنظام الاستبدادي قادر على التلون وإعادة إنتاج نفسه بأشكال جديدة.

الثورة السورية تحتاج إلى تفكيك بنية الاستبداد بالكامل، وليس مجرد تغيير القيادة. بناء دولة جديدة على أسس العدالة والحرية يتطلب إصلاحا عميقا لكل المؤسسات وإعادة صياغة العقد الاجتماعي.

11- الاستقرار وحش سيفترس الثورة قبل الصهاينة

الاستقرار بمعنى الانشغال بالهيكل الإداري للدولة كشكل من أشكال الاستقرار والغوص في تفاصيل الحياة اليومية ومشاكل الوزرات والدواوين واستنفاد الجهد والطاقة فيها، ونسيان أنّ هناك أعداء متربصون، بل منقضون كل يوم شرقا وغربا، يلتهمون الأرض والسيادة ويدمرون مقدرات الدولة وعنوان كرامتها (سلاحها)، وهي وصفة عبثية للانتحار والسير بخطى حثيثة نحو التقسيم ومشروع بناء "ضفة غربية" جديدة في سوريا، وليس دولة ذات سيادة.

أمل يتجدد

رغم كل ما مرت به الثورة السورية من انتكاسات، إلا أن روحها لا تزال حية في قلوب المؤمنين بالحرية والكرامة. هذه الروح يمكن أن تكون دافعا للثورة لتجنب الأخطاء، والاستفادة من الدروس، والمضي قدما نحو تحقيق أهدافها.

سوريا الحرة والمستقلة بتاريخها العريق قادرة على أن تكون نموذجا ملهما لشعوب المنطقة، لكن هذا يتطلب وحدة الصف، ووضوح الرؤية، والإصرار على استكمال المسار حتى النهاية. فلا تحرير حقيقيا دون عدالة، ولا كرامة دون حرية ولا تنمية واستقرار في وجود الاحتلال الأجنبي.

للنقاش حول المقال:
x.com/Mamdouh_Almonir
t.me/Mamdouh_Almoner
www.facebook.com/@Mamdouh.Almonir
التعليقات (0)