قضايا وآراء

أعوام جديدة من الفشل والانهيار

نزار السهلي
"جرائم الإبادة الجماعية غير المتوقفة، وبسلاح أمريكي وحماية سياسية مطلقة من الإدارة الأمريكية"- الأناضول
"جرائم الإبادة الجماعية غير المتوقفة، وبسلاح أمريكي وحماية سياسية مطلقة من الإدارة الأمريكية"- الأناضول
التأرجح من أقصى التفاؤل إلى حد التشاؤم، هو حال النظام السياسي العربي مع فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، ولأن سياسة العرب تمتلك قدرة عجيبة على امتصاص كل مهانة وهزيمة وإذلال تتعرض له، فإنها تلغي رهبة المفاجأة بأي أملٍ لإنقاذ قضايا مصيرية تتعلق بحاضر ومستقبل أجيال عربية، ذلك أن الإنسان العربي الذي تابع من المحيط إلى الخليج انتخابات أمريكا الرئاسية وفوز دونالد ترامب، هو نفسه التي يتابع مذبحة غزة منذ 13 شهرا، ويشاهد جرائم الإبادة الجماعية غير المتوقفة، وبسلاح أمريكي وحماية سياسية مطلقة من الإدارة الأمريكية..

جماهير مكبلة بالقمع والاستبداد والخنوع، ممنوعة من التعبير عن رفضها للجرائم الإسرائيلية وللهيمنة الأمريكية، ولأن عام الإبادة الفلسطينية مضى بلا فعل حقيقي وبلا ردة فعل عربية، يصبح شعار السياسي العربي المخاطب إدارة أمريكية جديدة مفعما برغبة التعاون مع إدارة ترامب؛ لاختصار رغبة القضاء على تطلعات الإنسان العربي في الحرية والتحرر، بعد النجاح النسبي في سحقه وتذويبه وكبح ردة فعله من أي مقاومة.

ولأن عام الإبادة الفلسطينية مضى بلا فعل حقيقي وبلا ردة فعل عربية، يصبح شعار السياسي العربي المخاطب إدارة أمريكية جديدة مفعما برغبة التعاون مع إدارة ترامب؛ لاختصار رغبة القضاء على تطلعات الإنسان العربي في الحرية والتحرر، بعد النجاح النسبي في سحقه وتذويبه وكبح ردة فعله من أي مقاومة

وعلى الإنسان العربي التعايش مع أربع سنوات جديدة، من عهد أمريكي ثابت في إطاعة الرغبة والسياسة الصهيونية في المنطقة العربية، ومع حكومة صهيونية فاشية عنصرية حظيت في أشهر الإبادة الفلسطينية على دعم بعشرات المليارات من الأسلحة الأمريكية والغربية، وهي تقر بصراحة قوانين وممارسات رفضها لإقامة دولة فلسطينية، والتحضر لضم الأغوار وباقي "يهودا والسامرة"، وتذكر قادة العرب والسلطة الفلسطينية والعالم بحقائق تطرد الوهم من عقولهم والزيف من أمام أعينهم، فالمشكلة لم تكن أبدا في شخصية حاكم البيت الأبيض ولا في انتمائه الحزبي، فلقد جرب العرب والفلسطينيين كل الإدارات الأمريكية جمهورية وديمقراطية، وجربوا الليكود والعمل في إسرائيل، ماذا كانت النتيجة؟ كل الخراب المقيم في أنظمة العرب والمحيط في قضيتهم المركزية.

التعويل العربي والفلسطيني على فك روابط التحالف الأمريكي الصهيوني، بانبطاح وتذلل سياسي يغيّر من جلد وعظم وعقل المؤسسة الصهيونية دون أي استراتيجية، كان ثمنه كارثيا على كل قضايا العرب، وفلسطين بشكل خاص، واليوم هناك استعداد فلسطيني وعربي لخوض تجربة ثانية مع نفس العقلية الأمريكية الصهيونية، بصياغة قديمة من الأدوات الباطلة من فعل وتأثير واضح لصون الحقوق الفلسطينية والعربية.

التفاخر الإسرائيلي بثوابت العلاقة وروابطها مع أمريكا، لم تكن في غفلة من الزمن، بل نتاجا فعليا لمصلحة استعمارية خالصة مع المشروع الصهيوني، وتكرار الرهان على شخصية القائد الأمريكي وعمق العلاقة معه على طريقة مد الولائم وبسط الخزائن المالية له، والتعهد بإبرام أي صفقة تضمن لأي نظام عربي استمراره بالحكم والتحكم برقاب العباد، لكنها لن تحمي سيادته المخردقة من كل الجوانب، وهذا يفسر حالة الصمت والهدوء على الجبهات العربية، التي لا تستثير حماسة أو نخوة أحد في أنظمة مفترض أن جوامع مصالحها كثيرة.

فلو كانت فلسطين تحمل هذا البعد الأخلاقي والإنساني، حتى بالمصلحة المشتركة، لشهدنا مؤتمرات عربية عاجلة بقرارات متخذة مسبقا لتنفيذ عملية إنقاذ كبرى للفلسطينيين من الإبادة، لكن كل تسريب وإعلان يفضح الكواليس وجرأة الوقاحة عند البعض، ينسف ما تبقى لمصالح عربية، بوصلتها حماية المشروع الصهيوني والتطبيع معه، إرضاء لغريزة البقاء على كرسي الحكم التي يؤمن بها زعماء العرب بعد اختزال الأوطان بشخوصهم. وهذه تفسر مكان النخوة في وادٍ مغاير لمصالح الشعوب العربية، وتُفسر شراسة المعركة المحتدمة والهجمة على حرية البشر، والبطش بهم وصولا للهجوم على المقاومة وعلى مكانة قضية فلسطين في ميزان التحرر والحرية ومحاولة إسقاطها من وعي الشارع العربي، ومنذ زمن،
التغيير الأبرز هو حالة التشظي العربي التي فقدنا فيها قرارا عربيا شجاعا بإنصاف ضحايا الإبادة الفلسطينية، ونفتقد لقرار عربي أكثر شجاعة من التحذير، ويغيّر مجرى المذبحة والتطهير العرقي في شمال غزة، لكن ما نشهده شجاعة في الصمت والعجز، والمضي نحو فشل وانهيار لسنوات قادمة وصعبة مع ترامب ونتنياهو وحلفه الفاشي، فربما تتكرر "شجاعة" من كان مترددا في التطبيع مع المستعمر، بأن يمنح ترامب ونتنياهو مجددا أسبابا تطيل من عمر مأساتنا
بعدما أصبح من العبث الكتابة عن تفاؤل عربي يعيد شيئا من عزة وكرامة مهدورة ونازفة على مدار الوقت. والناس في شوارع العرب وبيوتهم لم يكونوا يوما مخدوعين ولا ساذجين وقاصرين؛ كما أصر النظام العربي على وصف شعوبه في حقبة ثوراته المغدورة.

نعرف تمام المعرفة أن الطريق الذي يختاره شعب تحت الاحتلال، سينتهي الى ما سينتهي إليه، بخلاف أمنيات وتحالفات عربية، وهو طريق متفجر ومشتبك مع المستعمر الذي يعلق جرس إنذار بحقيقته الفاشية العنصرية، ويعلن للعالم أجمع وللأمم المتحدة وقوانينها بطلان الوهم المسمى حل الدولتين. فضياع القدس وتهويدها يجري على قدم وساق، والمستوطنات ابتلعت ما تبقى من أرض الدولة، والجرائم مكتملة ومتواصلة في التهجير والقتل والإبادة الجماعية وإعادة الاحتلال، والعربدة بلغت ذروتها في المنطقة العربية كلها، وفي ومدن الضفة وغزة، ثم تأتيك البلاغة السخيفة بنشاز التحذير من تصعيد قد يطال المنطقة، وهو حاصل بالفعل والقول من طرف المعتدي.

يدرك الشعب الفلسطيني ومقاومته أن معركتهما مع المستعمر الصهيوني وسياساته واجراءاته هي معركة فاصلة وأخيرة، أي إذا انتصر فيها تيار الفاشية الصهيونية بتحقيق كل أحلامه وطموحاته التي رسمها لنفسه، فذلك يعني أن القدرة العربية كلها ستكون رهن القرار الإسرائيلي الأمريكي بعد ضياع بوصلتها وعدم امتلاكها لأي استراتيجية تحمي بها نفسها وشعوبها.

المدن الفلسطينية مثخنة بالجراح، ومليونان مهددون بالجوع والإبادة والتهجير، ومدن لبنانية مصابة بنفس الجراح والآلام، ومع ذلك يستفحل العجز والفشل العربي بالدفاع عن أمنه ومصالحه، والشيء الوحيد الذي يمتلكه النظام العربي هو لوك رغبة التعاون مع أي إدارة أمريكية. إذ لم يتغير شيء لا في ثوابت المشروع الصهيوني، ولا في نظرة أمريكا للفلسطينيين وحقوقهم؛ التغيير الأبرز هو حالة التشظي العربي التي فقدنا فيها قرارا عربيا شجاعا بإنصاف ضحايا الإبادة الفلسطينية، ونفتقد لقرار عربي أكثر شجاعة من التحذير، ويغيّر مجرى المذبحة والتطهير العرقي في شمال غزة، لكن ما نشهده شجاعة في الصمت والعجز، والمضي نحو فشل وانهيار لسنوات قادمة وصعبة مع ترامب ونتنياهو وحلفه الفاشي، فربما تتكرر "شجاعة" من كان مترددا في التطبيع مع المستعمر، بأن يمنح ترامب ونتنياهو مجددا أسبابا تطيل من عمر مأساتنا بوجوه لا تنفع معها أقنعة مزيفة وأسماء مستعارة تزيف الإبادة والمذبحة، لكنها لن تمنع حقيقة انهيار عربي قادم.

x.com/nizar_sahli
التعليقات (0)