تزدهر منذ أشهر عبر منصة "إكس"،
تغريدات تمجّد مزايا دولة
الإمارات على أنها "مثال للاقتداء به"، على غرار
أذربيجان أيضا، وذلك من خلال مجموعة من الحسابات التي تسعى لتصوير نفسها على أنها
لمستخدمين حقيقيين للشبكة الاجتماعية.
وإذا ما بقي المشغّلون والأهداف الفعلية
موضع تدقيق، فإن العملية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تلبي كل متطلبات حملة التأثير
المنسقة، على غرار تلك التي كانت تُنسب غالبا في السنوات الأخيرة إلى روسيا، ولكن بمستوى
جديد من التعقيد.
فعلى سبيل المثال، كتب أحد حسابات تلك الحملة
التي حللتها وكالة "فرانس برس" على مدى أيام: "أيها الفرنسيون الذين
يشعرون بخيبة الأمل والتعب من هذه المناقشات التي لا نهاية لها، حان الوقت للتفكير
في بديل، مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث ظروف العمل جذّابة حقا".
اظهار أخبار متعلقة
ووفقا لمجموعة "Antibot4Navalny" التي تتتبع عمليات التأثير على "إكس"
ورصدت هذه الحملة بالتعاون مع مجموعة "SourcesOuvertes"، فإن الأمر
مرتبط بشبكة تضم ما لا يقل عن 2300 حساب نشط بما يقرب من عشر لغات بما فيها الإنكليزية
والفرنسية والألمانية. ويمكن أن تصل بعض تلك الحسابات إلى بضع مئات من المتابعين.
ومن أجل اكتساب المصداقية والانتشار، يعلّق
هؤلاء بشكل أساسي على المنشورات الصادرة من وسائل إعلام معروفة، بما فيها وسائل الإعلام
المحلية، أو من حسابات مؤثرة. ورغم أنهم يتناولون مجموعة واسعة من المواضيع، فإن لديهم
شيئا واحدا مشتركا: تقديم صورة إيجابية عن الإمارات وأذربيجان بشكل منهجي، ولا سيما الإشادة
ببيئتيهما الاقتصاديتين.
لديهم أيضا قواسم مشتركة في أنهم يعبّرون
عن "الرغبة في التغيير بين المسؤولين المنتخبين والمؤسسات القائمة" في الدول
الغربية، مع تصنيف الإمارات على أنها "البديل الأفضل"، بحسب ما أكد
"Antibot4Navalny" في سلسلة من تغريدات نشرت الخميس على موقع
"إكس".
وتنقل بعض الحسابات رسائل سياسية مباشرة،
كالقول إن "ناغورني قره باغ جزء من أذربيجان"، أو أن باكو "من حقها
استعادة أراضيها المحتلة". ويضاعف آخرون التغريدات لدعم الرياضيين الأذربيجانيين.
البلد المضيف لمؤتمر المناخ
وبرزت هذه الحملة في الوقت الذي اختيرت
فيه الإمارات وأذربيجان لاستضافة مؤتمري المناخ "كوب28" و"كوب29"،
إذ سيُفتتح الأخير في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر في باكو.
وإذا ما كان اختيار تنظيم هذين المؤتمرين
المناخيين في هذين البلدين المنتجين للنفط قد تعرض لانتقادات من منظمات بيئية غير حكومية،
فإن الحسابات التي تقف وراء هذه الحملة، تشيد بالاستضافة.
وهذه ليست المرة الأولى. ففي العام
2023، قبل وقت قصير من إطلاق مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ "كوب28"
في دبي، أشادت عشرات الحسابات المزيّفة بالإجراءات التي اتخذتها الإمارات لصالح المناخ.
ومع اقتراب انعقاد "كوب29"، كشف الأستاذ في جامعة نورث وسترن في قطر، مارك
أوين جونز، عن موجة من مئات الحسابات التي تروّج لمضيفها الأذربيجاني.
لكن الأسلوب العملياتي الحالي أكثر مكرا:
فالملفات التعريفية متقنة، ولها "مراكز اهتمام" متنوعة وتقدم نفسها على أنها
تمثل "مزارعا" أو "مدافعا عن البيئة" أو حتى "مشجع كرة قدم".
وتوضح كريستين دوغوان-كليمان الباحثة في
جامعة السوربون في باريس، أن الهدف العام لعملية مماثلة "هو إعطاء شرعية للحساب،
أي (...) أن يتم تشغيله من جانب أشخاص حقيقيين محتملين، يستفيدون من جمهور أو أصداء".
"مصداقية"
لإعطاء الأمر "مصداقية" أكبر،
يُكيَّف أيضا المحتوى الذي تنقله تلك الملفات الشخصية اعتمادا على البلد: ففي فرنسا
مثلا، تنتقد بعض الحسابات علنا سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون أو تتفاعل مع تدخلات
بعض الشخصيات السياسية.
ولم ترد السلطات الإماراتية على الفور على
طلب للتعليق من "فرانس برس".
ورغم أن قياس تأثير هذه المنشورات صعب،
إلا أن العملية جذبت انتباه السلطات الفرنسية، بحسب ما علمت "فرانس برس"
من مصادر أمنية.
وكشفت المصادر أن "أسلوب التشغيل المستخدم
يتطلب وجود موارد مالية كبيرة تسمح بإدارة عدد كبير من الحسابات، وتكييف المنشورات
مع المحتوى المستهدف والبلدان، فضلا على اعتماد سلوكيات تسمح بالتحايل على سياسة الاعتدال
لمنصة إكس".
ورغم ذلك، فإن تلك المنشورات التي تستهدف
بلدانا أخرى مثل إسبانيا وألمانيا، تحتوي على أدلة عدة تشير إلى أن هذه الملفات الشخصية ليست
حقيقية.
فعلى سبيل المثال، بدأت كلها نشاطها في
الوقت نفسه، في صيف العام 2024، رغم أنها أُنشئت قبل أشهر عدة.
وأوضحت مجموعة "Antibot4Navalny" لـ"فرانس برس" أنها تتناول أيضا
"مواضيع متكررة، بعضها يظهر بلغات عدة".
اظهار أخبار متعلقة
ويستخدم كثر منهم صورا أُنتجت بواسطة الذكاء
الاصطناعي، وغالبا ما يعيد الملف الشخصي نفسه استخدام الكلمات نفسها في تغريداته. فأحيانا
تنزلق بعض الكلمات الأجنبية (أحرف صينية في منتصف رسالة باللغة الفرنسية على سبيل المثال)
أو كلمات غير مطابقة للمنشورات.
وتشير دوجوان-كليمان إلى أن استخدام الذكاء
الاصطناعي "يقلل من كلفة هذا النوع من العمليات".
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، اتهم تقرير
صادر عن منظمة "فيجينوم" الفرنسية التي تحارب التدخل الرقمي الأجنبي، جهات
فاعلة مرتبطة بأذربيجان بقيادة حملة تلاعب استهدفت دورة الألعاب الأولمبية في باريس.