قضايا وآراء

تداعيات حرب غزة والموقف الدولي الداعم لإسرائيل على أوضاع حقوق الإنسان في مصر والمنطقة

أحمد مفرح
في مصر "يُعاني المعتقلون السياسيون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، والاحتجاز المطول في ظروف غير إنسانية"- جيتي
في مصر "يُعاني المعتقلون السياسيون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، والاحتجاز المطول في ظروف غير إنسانية"- جيتي
المقدمة

مع مرور عام على الحرب المستمرة على غزة، تزايدت التداعيات السياسية والحقوقية على الساحة المصرية. لقد استفاد النظام المصري من الدعم الدولي الموجه له نتيجة مواقفه الإقليمية، وخاصة دوره في استقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب. هذا الدعم سمح له بتعزيز قبضته الأمنية داخليا، مما أثر بشكل كبير على أوضاع المعتقلين السياسيين في السجون المصرية. في ظل انشغال العالم بالصراع في غزة، تم تجاهل الكثير من الانتهاكات التي تحدث بحق المعتقلين السياسيين داخل مصر، حيث يعاني هؤلاء من أوضاع سيئة تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، والاحتجاز المطول دون محاكمة عادلة.

النظام المصري استغل هذه الظروف الإقليمية لتبرير قمعه الداخلي تحت ذريعة حماية الأمن القومي. بفضل الدعم الدولي المستمر، لم يعد النظام يواجه نفس مستوى الضغط الدولي الذي كان يُمارس عليه سابقا لتحسين أوضاع حقوق الإنسان. نتيجة لذلك، زادت الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين، في وقت باتت فيه المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تجد صعوبة متزايدة في إعادة تسليط الضوء على هذه القضية.

في هذا التحليل، سنناقش تأثير الحرب على غزة على أوضاع المعتقلين السياسيين في مصر، وكيفية استغلال النظام للدعم الدولي لتجاهل دعوات تحسين الأوضاع داخل السجون. كما سنستعرض بعض المقترحات والخطوات التي يمكن اتخاذها لإعادة إحياء المناصرة الدولية والمحلية لقضية المعتقلين السياسيين، وإجبار النظام المصري على تحسين أوضاعهم.
تأثير الحرب على غزة على أوضاع المعتقلين السياسيين في مصر، وكيفية استغلال النظام للدعم الدولي لتجاهل دعوات تحسين الأوضاع داخل السجون. كما سنستعرض بعض المقترحات والخطوات التي يمكن اتخاذها لإعادة إحياء المناصرة الدولية والمحلية لقضية المعتقلين السياسيين، وإجبار النظام المصري على تحسين أوضاعهم

أولا: تعميق الانقسامات في المجتمع الحقوقي بسبب التركيز على القضايا الإقليمية

مع استمرار الحرب على غزة والدعم الدولي المقدم لإسرائيل، تعمقت الانقسامات داخل المجتمع الحقوقي المصري، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية المعتقلين السياسيين. بعض المنظمات الحقوقية المصرية ركزت على القضايا الإقليمية مثل الحرب في غزة، في حين أن هناك منظمات أخرى رأت ضرورة التركيز على الانتهاكات التي تحدث داخل مصر، خاصة فيما يتعلق بالمعتقلين السياسيين في السجون. هذا التباين في الأولويات أدى إلى تراجع التنسيق بين تلك المنظمات، مما أضعف تأثيرها في مواجهة السياسات القمعية للنظام المصري.

بسبب تزايد التركيز على الأحداث الإقليمية، باتت قضايا المعتقلين السياسيين في مصر تُهمش بشكل متزايد، حيث أصبح العديد من المنظمات الحقوقية المصرية تجد صعوبة في إعادة توجيه الأنظار نحو هذه الانتهاكات الداخلية. تعمق هذا التهميش يعقّد جهود المناصرة الحقوقية، ويجعل من الصعب بناء استراتيجيات موحدة تهدف إلى تحسين أوضاع المعتقلين السياسيين. في ظل الانشغال الدولي بما يحدث في غزة، تقلصت الضغوط على النظام المصري لتحسين أوضاع المعتقلين، مما أدى إلى تفاقم الانتهاكات ضدهم.

الانقسامات في المجتمع الحقوقي تجعل من الصعب حشد الدعم المحلي والدولي لقضية المعتقلين السياسيين، تلك المنظمات التي تحاول تسليط الضوء على هذه القضية تجد نفسها تواجه صعوبات متزايدة في جذب الانتباه الدولي، بينما تُفضل بعض المنظمات الدولية تركيز جهودها على الحرب في غزة. هذا الوضع يزيد من عزل المنظمات التي تدافع عن حقوق المعتقلين السياسيين في مصر ويُعقد قدرتها على تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف.

ثانيا: تعامل النظام المصري مع المعتقلين السياسيين في ظل الدعم الدولي

في ظل الدعم الدولي المتزايد للنظام المصري، الذي يُقدم على أنه شريك إقليمي مهم في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، استغل النظام هذه العلاقات الدولية لتشديد قبضته الأمنية على المجتمع المدني، بما في ذلك المعتقلون السياسيون. النظام المصري استغل الأوضاع الإقليمية، بما فيها الحرب على غزة، لتبرير قمعه الداخلي، مُستخدما قضايا مثل الأمن القومي كغطاء لتجاهل الدعوات المحلية والدولية لتحسين أوضاع المعتقلين السياسيين.

داخل السجون المصرية، يُعاني المعتقلون السياسيون من انتهاكات جسيمة لحقوقهم، تشمل التعذيب، الإهمال الطبي، والاحتجاز المطول في ظروف غير إنسانية. وفي الوقت الذي تُركز فيه القوى الدولية على التعاون مع مصر لتحقيق استقرار إقليمي، تجد الحكومة المصرية مساحة أكبر لتمرير انتهاكاتها دون أن تواجه ضغوطا ملموسة من المجتمع الدولي. هذا الواقع يُسهل على النظام الاستمرار في قمع المعتقلين السياسيين، متجنبا أي محاسبة أو مساءلة دولية.
في ظل الدعم الدولي المتزايد للنظام المصري، الذي يُقدم على أنه شريك إقليمي مهم في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، استغل النظام هذه العلاقات الدولية لتشديد قبضته الأمنية على المجتمع المدني، بما في ذلك المعتقلون السياسيون. النظام المصري استغل الأوضاع الإقليمية، بما فيها الحرب على غزة، لتبرير قمعه الداخلي

في ظل هذا الدعم، يواصل النظام تجاهل القوانين الدولية والمحلية التي تحمي حقوق المعتقلين؛ إجراءات مثل العزل الانفرادي ومنع الزيارات أصبحت وسيلة لمعاقبة المعتقلين السياسيين والتضييق عليهم، فيما يتم تهميش قضاياهم بشكل متعمد. هذا الوضع يعزز من قدرة النظام على الاستمرار في استخدام المعتقلين السياسيين كورقة ضغط داخلية لتصفية الحسابات مع المعارضة السياسية، دون الخوف من العواقب الدولية.

ثالثا: ضعف الضغط الدولي والمناصرة الحقوقية في قضية المعتقلين السياسيين

منذ بداية الحرب على غزة، شهدت مصر تراجعا واضحا في الضغط الدولي لتحسين أوضاع المعتقلين السياسيين. الدعم الدولي المتزايد للنظام المصري في مجالات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، قلل من حجم الضغوط التي كانت تُمارس سابقا عليه من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان. نتيجة لذلك، تراجعت الأولويات الحقوقية الخاصة بالمعتقلين السياسيين في مصر عن قائمة الاهتمامات الدولية، مما منح النظام فرصة للاستمرار في انتهاكاته دون مواجهة عقوبات أو تداعيات جادة.

المنظمات الحقوقية، سواء المحلية أو الدولية، تجد نفسها في موقف صعب بسبب هذا التراجع في الاهتمام الدولي. فبدون دعم سياسي كافٍ من الحكومات الغربية أو المجتمع الدولي، تُصبح محاولات المناصرة غير فعالة بشكل ملحوظ. على الرغم من الجهود المستمرة من قبل بعض المنظمات لرفع مستوى الوعي بالانتهاكات التي تحدث في السجون المصرية، إلا أن غياب الضغوط الدولية القوية جعل من الصعب تحقيق نتائج ملموسة.

النظام المصري استغل هذا التراجع في الضغط الدولي لتعزيز قبضته على السجون، وزيادة القمع تجاه المعتقلين السياسيين. عمليات الاعتقال التعسفي والاحتجاز المطول دون محاكمة عادلة أصبحت أكثر انتشارا، في حين تستمر ممارسات التعذيب والإهمال الطبي دون رادع. هذه البيئة القمعية، المدعومة بتجاهل دولي متزايد، جعلت من قضية المعتقلين السياسيين في مصر قضية ثانوية على المستوى الدولي، مما يزيد من معاناتهم داخل السجون ويعقد جهود المناصرة.

رابعا: تأثير الوضع الدولي على المنظمات الحقوقية المصرية في الخارج

المنظمات الحقوقية المصرية التي تعمل في الخارج تواجه تحديات متزايدة نتيجة الوضع الدولي المعقد تجاه الحرب على غزة وقضايا حقوق الإنسان في مصر. بعض المنظمات الدولية، خاصة تلك التي تتعامل مع الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، تتجنب التعامل مع ملف حقوق الإنسان في مصر لأسباب سياسية أو اقتصادية، هذا الوضع يضعف قدرة المنظمات المصرية في الخارج على بناء تحالفات دولية قوية تدعم قضية المعتقلين السياسيين في مصر.

القيود التي تفرضها بعض الدول والمنظمات الدولية على انتقاد سياسات إسرائيل، وكذلك تجنب التركيز على الانتهاكات داخل مصر، تجعل من الصعب على المنظمات الحقوقية المصرية تقديم قضية المعتقلين السياسيين بشكل متكامل. نتيجة لذلك، تقتصر جهود هذه المنظمات غالبا على التركيز على الانتهاكات الداخلية دون ربطها بالسياق الإقليمي الأكبر، مما يضعف من قدرتها على جذب انتباه المجتمع الدولي لقضية المعتقلين.

في ظل هذا الوضع، تجد المنظمات الحقوقية المصرية نفسها في موقف معقد، حيث تضطر لمواجهة الضغوط من جهات دولية تتجنب إثارة قضايا حساسة مثل دعم إسرائيل أو الحرب على غزة. هذا يُضعف من جهود المناصرة ويزيد من عزلة تلك المنظمات، مما يحد من قدرتها على جمع الدعم الدولي الذي يمكن أن يُحدث تغييرا في أوضاع المعتقلين السياسيين داخل السجون المصرية. في ظل هذا الوضع، تحتاج المنظمات الحقوقية إلى تبني استراتيجيات جديدة للتعامل مع الضغوط الدولية، من خلال بناء تحالفات مع منظمات حقوقية محايدة أو تلك التي تركز بشكل أكبر على قضايا حقوق الإنسان دون التأثر بالأجندات السياسية.

خامسا: عزوف بعض أسر المعتقلين عن المطالبة بتحسين أوضاع ذويهم داخل السجون

إحدى التداعيات الهامة لحرب غزة هي تأثيرها على بعض الأُسر المصرية التي لديها معتقلين داخل السجون. هذه الأُسر، التي كانت في السابق تعمل بنشاط لتحسين أوضاع ذويها داخل السجون المصرية، بدأت في استصغار حجم الانتهاكات التي يتعرض لها ذووهم مقارنة بالجرائم الكبيرة التي تحدث بحق الشعب الفلسطيني في غزة. هذه المقارنة أدت إلى تحول في الأولويات لدى العديد من هذه الأسر، حيث أصبحت الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون المصرية تبدو أقل أهمية بالنسبة لهم مقارنة بما يحدث في غزة.

هذا الشعور أدى إلى تراجع النشاط الذي كانت تقوم به الأسر في السابق من حيث المطالبة بتحسين أوضاع المعتقلين أو تنظيم حملات لإطلاق سراحهم. الحرب على غزة، وما رافقتها من انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين، ساهمت في تحويل تركيز الأسر المصرية من الانتهاكات المحلية إلى القضايا الإقليمية. نتيجة لهذا التوجه، تقلصت الضغوط الداخلية على الحكومة المصرية فيما يخص أوضاع السجون والمعتقلات. هذه الفراغ في الضغوطات سمح للنظام المصري بالاستمرار في انتهاكاته دون مواجهة ضغط فعلي من الرأي العام المحلي.

سادسا: تراجع الثقة في الآليات الحقوقية الدولية

أدت حرب غزة أيضا إلى تراجع ثقة العديد من الضحايا وأسرهم في فعالية الآليات الحقوقية الدولية، الفشل المتكرر لتلك الآليات في منع الانتهاكات الإسرائيلية أو محاسبة المسؤولين عنها أدى إلى حالة من الإحباط لدى العديد من المصريين الذين كانوا يعتمدون على الدعم الدولي لتسليط الضوء على معاناتهم. الأسر التي كانت ترى في الآليات الدولية وسيلة لتحقيق العدالة وتحسين أوضاع ذويهم داخل السجون المصرية؛ بدأت تفقد الأمل في أن تسهم تلك الآليات في إحداث تغيير حقيقي.

هذا التراجع في الثقة يؤثر بشكل مباشر على عمل المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية على حد سواء. ومع تزايد الشكوك في قدرة هذه الآليات على إحداث تغيير ملموس، أصبح من الصعب على المنظمات إقناع الضحايا وأسرهم بأن اللجوء إلى المجتمع الدولي يمكن أن يؤدي إلى نتائج فعالة. في ظل هذا المناخ من الإحباط، تضعف فعالية المناصرة الحقوقية الدولية، مما يزيد من عزلة الضحايا ويقلل من فرص تحسين أوضاعهم.

من الضروري استعادة الثقة في الآليات الحقوقية الدولية من خلال توثيق الانتهاكات بشكل موثوق ومستمر، والعمل على محاسبة المسؤولين عن الجرائم. هذا الجهد سيساعد في إعادة بناء الثقة بين الأُسر والمجتمع الدولي، مما يساهم في تعزيز جهود المناصرة
لذلك، من الضروري استعادة الثقة في الآليات الحقوقية الدولية من خلال توثيق الانتهاكات بشكل موثوق ومستمر، والعمل على محاسبة المسؤولين عن الجرائم. هذا الجهد سيساعد في إعادة بناء الثقة بين الأُسر والمجتمع الدولي، مما يساهم في تعزيز جهود المناصرة وتحقيق نتائج ملموسة.

سابعا: أهمية الآليات الحقوقية الدولية في ضوء الحرب

رغم التراجع الملحوظ في الثقة بالآليات الحقوقية الدولية بسبب ضعف استجابتها للانتهاكات الإسرائيلية في غزة، تظل هذه الآليات ضرورية في مواجهة الانتهاكات. خلال حرب غزة، أثبتت الآليات الحقوقية الدولية قدرتها على الاستمرار في تسليط الضوء على الجرائم وتوثيق الانتهاكات، حتى في ظل غياب استجابة فعلية من المجتمع الدولي السياسي. توثيق الجرائم والمطالبة بمحاسبة المسؤولين ساعد في إبقاء القضية الفلسطينية حية على المستوى الدولي، مما أظهر أهمية تلك الآليات، رغم التحديات التي تواجهها.

على الرغم من محدودية تأثير هذه الآليات في بعض الأحيان، إلا أنها تبقى الوسيلة الوحيدة التي تحاول تحقيق العدالة في ظل تقاعس الآليات السياسية الدولية. في ضوء الحرب المستمرة على غزة، بات واضحا أن الآليات الحقوقية الدولية تلعب دورا أساسيا في تحفيز النقاش العالمي حول الانتهاكات وتوثيقها، مما يُبقي الانتهاكات في صدارة الاهتمام الدولي ويزيد من فرص محاسبة المسؤولين عنها.

لذلك، دعم هذه الآليات وتعزيز التعاون بين المنظمات الحقوقية المحلية والدولية يصبح أمرا ضروريا لضمان استمرارية العمل على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، كما أن تقوية هذه الآليات يسهم في إعادة الثقة بها من قبل الضحايا وأسرهم، ويزيد من فاعليتها في تحقيق العدالة على المدى الطويل.

ثامنا: تأثير مشاركة بعض المحسوبين على التيار الحقوقي في فعاليات الدولة على ملف المعتقلين السياسيين

في الفترة الأخيرة، شهدنا انخراط بعض المحسوبين على التيار الحقوقي في فعاليات ومبادرات تقوم بها الدولة المصرية. هذه المشاركة، التي تأتي في إطار ما تروج له الدولة من فعاليات تعزز صورة التعاون مع المجتمع المدني، كان لها تأثير سلبي على ملف المعتقلين السياسيين، حيث أدى هذا الانخراط إلى تقزيم المطالبات الحقوقية الخاصة بالمعتقلين السياسيين، وتهميش جهود الضغط لتحسين أوضاعهم والإفراج عنهم.

الاستجابة من قبل بعض الحقوقيين لدعوات الدولة المصرية ومشاركتهم في فعاليات رسمية أو شبه رسمية تُعتبر محاولة لتقديم صورة من التوافق المجتمعي، لكنها في الواقع تخدم الدولة في تشتيت الانتباه عن الانتهاكات المستمرة داخل السجون. من خلال هذا التعاون، يجد النظام مساحة أكبر لتجاهل المطالب الجوهرية المرتبطة بحقوق المعتقلين السياسيين. وفي الوقت الذي يتم فيه ترويج هذا التعاون كخطوة نحو الإصلاح، تتضاءل فرص المطالبة الحقيقية بالإصلاحات اللازمة، مما يعزز استمرار النظام في سياساته القمعية دون مواجهة ضغط حقيقي.

هذا الانخراط من قبل بعض الحقوقيين يضعف أيضا الثقة العامة في الحركة الحقوقية، حيث يتم تفسيره من قبل العديد على أنه تنازل عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان مقابل الوصول إلى منصات الدولة. تلك المشاركة تؤدي إلى تشتت الجهود الحقوقية وتؤثر سلبا على مصداقية الحركة الحقوقية المصرية، مما يزيد من صعوبة إعادة تسليط الضوء على ملف المعتقلين السياسيين والعمل بجدية على تحسين أوضاعهم.

هذه المشاركة من قبل بعض الحقوقيين لا تقتصر فقط على تقزيم المطالب، بل تؤدي أيضا إلى إضفاء شرعية على سياسات النظام، وتقديم صورة دولية عن تحسن الأوضاع في مصر، بينما تستمر الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين داخل السجون دون معالجة.

استغلال النظام لهذه الفعاليات والمبادرات يعطي انطباعا زائفا بأن هناك حوارا مفتوحا مع المجتمع المدني، بينما في الواقع يُستخدم هذا التعاون لإسكات الأصوات الناقدة، وإبعاد الأنظار عن القضايا الحقوقية الجوهرية، مثل حقوق المعتقلين.

على الصعيد الدولي، يؤدي هذا التعاون بين النظام وبعض الحقوقيين إلى تقليص الضغوط التي يمكن أن تُمارس من قبل المنظمات الدولية والدول الغربية، حيث يُروج النظام لصورة زائفة عن التقدم في ملف حقوق الإنسان. في هذا السياق، يصبح من الصعب تحقيق تقدم ملموس في ملف المعتقلين السياسيين، حيث يُعطى الأولوية لمصالح سياسية واقتصادية أخرى على حساب تحقيق العدالة وإصلاح أوضاع السجون.

للتغلب على هذه التحديات، يجب على الحركة الحقوقية المصرية أن تبقى مستقلة وغير متأثرة بهذه الفعاليات الحكومية. من الضروري إعادة توجيه الجهود نحو تحقيق الإصلاح الحقيقي في ملف المعتقلين السياسيين، وعدم التنازل عن المبادئ الأساسية تحت أي ظرف. على الحقوقيين الذين يشاركون في هذه الفعاليات أن يدركوا أن التعاون مع النظام دون طرح مطالب واضحة وجادة بشأن حقوق الإنسان قد يساهم في استمرار الانتهاكات، بدلا من تحسين الأوضاع.
يجب على الحركة الحقوقية المصرية أن تبقى مستقلة وغير متأثرة بهذه الفعاليات الحكومية. من الضروري إعادة توجيه الجهود نحو تحقيق الإصلاح الحقيقي في ملف المعتقلين السياسيين، وعدم التنازل عن المبادئ الأساسية تحت أي ظرف

إعادة بناء الثقة في الحركة الحقوقية، والتركيز على الملف الحقوقي الجوهري الخاص بالمعتقلين السياسيين، يتطلب توحيد الصفوف والتزاما قويا بالدفاع عن الحقوق الأساسية بعيدا عن أي ضغوط أو تأثيرات من قبل الدولة.

تاسعا: تأثير الأزمة الاقتصادية على قدرة الأهالي على الاستمرار في مناصرة قضايا ذويهم في الداخل

الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر في السنوات الأخيرة، والتي تفاقمت بسبب تداعيات الحرب على غزة والصراعات الإقليمية، ألقت بظلالها الثقيلة على قدرة الأسر المصرية على مواصلة مناصرة قضايا ذويها المعتقلين السياسيين. في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وازدياد الأعباء الاقتصادية على الأسر المصرية، أصبح من الصعب على الكثير من الأهالي تحمل تكاليف السفر إلى السجون، أو تقديم الدعم المالي والقانوني اللازم لمناصرة ذويهم المحتجزين.

العديد من العائلات التي كانت سابقا قادرة على تنظيم حملات دعم وإثارة قضايا معتقليها في وسائل الإعلام المحلية والدولية، تجد نفسها اليوم غير قادرة على تحمل التكاليف المالية المرتبطة بتلك الجهود، من تكلفة توكيل محامين إلى تكاليف التنقل إلى السجون المتواجدة في أماكن نائية، تضاعفت الأعباء بشكل ملحوظ. هذه الأزمة الاقتصادية لم تؤثر فقط على قدرة الأهالي على مناصرة ذويهم، بل أثرت أيضا على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما دفع العديد منهم إلى تفضيل الاهتمام بالبقاء الاقتصادي على مواصلة النشاط الحقوقي.

إضافة إلى ذلك، أدى الضغط الاقتصادي إلى عزلة متزايدة للأسر التي لم تعد قادرة على التواصل بشكل فعال مع منظمات حقوق الإنسان أو الحركات الداعمة. هذا التراجع في نشاط الأهالي أثر سلبا على مستوى الضغوط المحلية التي كانت تُمارس على الحكومة لتحسين أوضاع المعتقلين، إذ إن غياب الدعم المالي يجعل من الصعب تحقيق أي تقدم ملموس في تحسين ظروف المعتقلين السياسيين أو الإفراج عنهم.

نتيجة لذلك، أصبحت معاناة المعتقلين السياسيين مضاعفة، حيث لم يعودوا يواجهون فقط القمع والانتهاكات داخل السجون، بل يعانون أيضا من تراجع الدعم والمساندة الخارجية من أسرهم التي ترهقها الضغوط الاقتصادية.

عاشرا: ضعف الحياة السياسية والانقسامات في صفوف الإسلاميين وأثرها على أعمال المناصرة

من العوامل الرئيسية التي أثرت سلبا على ملف المعتقلين السياسيين في مصر هو ضعف الحياة السياسية والانقسامات التي حدثت داخل التيار الإسلامي، خاصة بعد عزل الرئيس محمد مرسي وتفكك التحالفات السياسية التي كانت تجمع قوى المعارضة. الانقسامات الحادة بين الفصائل الإسلامية المختلفة، إلى جانب تراجع الأحزاب السياسية المعارضة بسبب القمع المستمر، أدى إلى تقليص الجهود المبذولة للمطالبة بحقوق المعتقلين السياسيين، خاصة هؤلاء المنتمين إلى التيار الإسلامي.

في السابق، كانت الفصائل الإسلامية جزءا من حركة واسعة النطاق للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وتحسين أوضاعهم داخل السجون، لكن مع تصاعد الخلافات والانقسامات داخل هذه الفصائل، تقلصت هذه الجهود بشكل ملحوظ، حيث لم تعد هناك جبهة موحدة تعمل على مناصرة المعتقلين أو تنظيم حملات جماعية فعالة للضغط على النظام. هذه الانقسامات ساهمت في تشتت جهود المناصرة، حيث أصبحت كل مجموعة تعمل بمعزل عن الأخرى، ما أضعف قدرتها على التأثير والضغط لتحقيق نتائج ملموسة.

ضعف الحياة السياسية في مصر نتيجة للقمع المستمر وإغلاق المجال العام أمام أي نشاط معارض ساهم أيضا في تراجع نشاطات المناصرة. فقد بات من الصعب على القوى المعارضة والمنظمات الحقوقية تنظيم حملات قوية ومتواصلة للدفاع عن حقوق المعتقلين السياسيين. بالإضافة إلى ذلك، فقد فقدت العديد من هذه الحركات والشخصيات السياسية المصداقية لدى المجتمع المحلي والدولي نتيجة الانقسامات الداخلية وتراجع القدرة على تقديم رؤية موحدة.

نتيجة لهذه العوامل، بات النظام المصري في موقف أكثر قوة لمواصلة سياساته القمعية، حيث يستفيد من حالة التشرذم والانقسامات السياسية التي تعاني منها المعارضة. غياب جهود موحدة وقوية للدفاع عن حقوق المعتقلين السياسيين ساهم في إضعاف الضغوط التي كانت تُمارس على النظام، مما أدى إلى استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان داخل السجون المصرية.

المقترحات لمواجهة تداعيات حرب غزة على ملف حقوق الإنسان في مصر

النقاط المهمة التي يجب التركيز عليها:

1- إعادة بناء الثقة بين الأطراف الحقوقية: واحدة من الخطوات الأساسية هي بناء الثقة بين المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني. هذه الثقة يمكن أن تعزز التعاون بين المنظمات المختلفة، وتعيد توحيد الجهود حول قضية المعتقلين السياسيين.

2- تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية: رغم التراجع في الثقة بالآليات الدولية، إلا أن تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية يظل ضروريا. رفع التقارير الموثوقة والعمل على تحسين التواصل مع المنظمات الدولية يمكن أن يعيد تسليط الضوء على الانتهاكات في مصر.

3- تنظيم حملات إعلامية فعالة: الاعتماد على الإعلام المحلي والدولي لتسليط الضوء على الانتهاكات داخل السجون المصرية، ونشر قصص المعتقلين السياسيين ومعاناتهم، يمكن أن يساعد في تحفيز الرأي العام المحلي والدولي للضغط على الحكومة المصرية.

4- بناء تحالفات حقوقية محلية ودولية: التحالفات القوية بين المنظمات المحلية والدولية، التي تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان وليس المصالح السياسية، يمكن أن تعزز من تأثير الجهود المبذولة في ملف المعتقلين السياسيين.

5- تعزيز الحملات الشعبية والدعم المجتمعي: إشراك المجتمعات المحلية، سواء داخل مصر أو في الخارج، يمكن أن يكون له دور كبير في تحفيز التغيير. حملات التوعية الشعبية والعمل مع المنظمات المجتمعية تساعد على بناء ضغط شعبي فعلي من أجل تحسين أوضاع المعتقلين.

6- الضغط على المستوى السياسي: العمل على التأثير على الحكومات الأجنبية التي تدعم النظام المصري للتدخل في قضايا حقوق الإنسان، واستخدام الضغوط الدبلوماسية كأداة فعالة لتحسين أوضاع المعتقلين.

7- استغلال الأزمات الإقليمية والدولية: رغم تأثير الأزمات مثل حرب غزة على تهميش ملف حقوق الإنسان في مصر، يمكن استغلال هذه الأزمات كفرصة للتأكيد على الترابط بين القضايا الإقليمية والمحلية، والضغط من أجل تحسين أوضاع المعتقلين.

8- تحفيز التغيير عبر الضغط الداخلي: يجب تعزيز جهود الضغط الداخلي من قبل المجتمع المدني المصري لتسليط الضوء على الأوضاع داخل السجون ومراكز الاحتجاز. يجب أن تكون هناك حملات متكاملة تشمل أسر الضحايا، النشطاء، والإعلام المحلي والدولي لإجبار الحكومة على تحسين أوضاع المعتقلين وتبني إصلاحات قانونية ضرورية.

9- العمل على بناء تحالفات مجتمعية: يجب على المنظمات الحقوقية بناء تحالفات مع مجموعات المجتمع المدني، مثل النقابات والمنظمات الشبابية والنسوية، للعمل معا على تعزيز القضايا الحقوقية. التحالفات القوية بين المجتمع المدني يمكن أن تُسهم في تحقيق ضغط فعّال على الحكومات لإجراء تغييرات حقيقية.

الخطوات الاستراتيجية للعمل على تحسين أوضاع المعتقلين السياسيين:
على المنظمات الحقوقية تبني استراتيجيات متوازنة تعالج القضايا المحلية والإقليمية بشكل متكامل، فالاهتمام بالقضايا الحقوقية في الإقليم لا يجب أن يأتي على حساب القضايا في مصر. وجود استراتيجيات موحدة تعكس المبدأ الأساسي لحماية حقوق الإنسان قد يُساعد في كسب ثقة الجمهور ويعزز من مصداقية المنظمات

1- تعزيز التعاون بين المنظمات الحقوقية المحلية والدولية: على المنظمات الحقوقية المصرية تعزيز التعاون مع نظيراتها الدولية لدعم العمل الجماعي والمناصرة الحقوقية الفعالة. هذا التعاون يمكن أن يساهم في رفع مستوى الوعي الدولي بالانتهاكات المتزايدة في مصر، مع الاستفادة من الخبرات والموارد التي توفرها المنظمات الدولية.

2- استراتيجيات مناصرة متوازنة: على المنظمات الحقوقية تبني استراتيجيات متوازنة تعالج القضايا المحلية والإقليمية بشكل متكامل، فالاهتمام بالقضايا الحقوقية في الإقليم لا يجب أن يأتي على حساب القضايا في مصر. وجود استراتيجيات موحدة تعكس المبدأ الأساسي لحماية حقوق الإنسان قد يُساعد في كسب ثقة الجمهور ويعزز من مصداقية المنظمات الحقوقية.

3- تفعيل الآليات الحقوقية الدولية: يجب الضغط على المجتمع الدولي لإعادة تفعيل الآليات الحقوقية الدولية مثل لجان التحقيق ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كما يجب الاستفادة من هذه الآليات لتوثيق الانتهاكات وضمان متابعة تلك القضايا على المستوى الدولي، بما في ذلك محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في مصر والمنطقة.

4- تحسين الشفافية والحوكمة داخل المنظمات الحقوقية: يجب أن تعمل المنظمات الحقوقية على تعزيز الشفافية في عملها، لضمان الحفاظ على استقلاليتها والابتعاد عن التأثيرات الخارجية. من المهم أن تُظهر المنظمات التزامها بقضايا حقوق الإنسان بعيدا عن التمويل المشروط أو التأثيرات السياسية، ما يعزز مصداقيتها ويعيد ثقة الجمهور بها.

5- تعزيز الوعي الشعبي: من الضروري العمل على زيادة الوعي الشعبي بحقوق الإنسان من خلال حملات توعوية إعلامية ومجتمعية. هذه الحملات يجب أن تُركز على أهمية الحريات الأساسية، والتأكيد على أن الانتهاكات التي تحدث في السجون المصرية ليست أقل أهمية مما يحدث في الصراعات الإقليمية.

6- الضغط على الفاعلين السياسيين: يجب على الفاعلين الحقوقيين والسياسيين العمل معا على الضغط على الحكومات، ليس فقط في مصر، ولكن على مستوى المنطقة ككل، هذا الضغط السياسي يمكن أن يُثمر عن إصلاحات قانونية تعزز من الحريات وتقيد الانتهاكات المستمرة. يتعين كذلك على المجتمع السياسي الدولي أن يُعيد التفكير في دعمه لحكومات ترتكب انتهاكات حقوقية، مع وضع شروط واضحة فيما يتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

الخاتمة

في ظل الأوضاع الحالية، يتضح أن النظام المصري يستغل الظروف الإقليمية والدعم الدولي لتجاهل قضايا المعتقلين السياسيين، فالحرب المستمرة على غزة وفرت غطاء سياسيا يمكن للنظام من خلاله تجنب المحاسبة على الانتهاكات المستمرة داخل السجون المصرية. وفي الوقت الذي تُعاني فيه المنطقة من صراعات مستمرة، أصبحت قضايا المعتقلين السياسيين في مصر تهمش بشكل متزايد على الساحة الدولية.

من الضروري العمل بشكل مشترك بين المنظمات الحقوقية المصرية والدولية لإعادة تسليط الضوء على هذه القضية. يجب أن تكون هناك جهود متكاملة لتعزيز الضغط الدولي على النظام المصري، من خلال التعاون مع وسائل الإعلام الدولية، وتقديم شكاوى موثوقة إلى الهيئات الحقوقية العالمية مثل الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم حملات مناصرة على المستوى الشعبي والدولي لزيادة الوعي بالانتهاكات التي تحدث داخل السجون المصرية، مما سيزيد من الضغوط على النظام لتحسين أوضاع المعتقلين والإفراج عنهم.

في النهاية، تظل قضية المعتقلين السياسيين في مصر من القضايا الأساسية التي يجب أن تكون في صلب العمل الحقوقي المحلي والدولي، إذ إن استمرار تجاهل هذه القضية لا يزيد فقط من معاناة المعتقلين، بل يهدد أيضا بإضعاف النضال الحقوقي في مصر والمنطقة بشكل عام.
التعليقات (0)