تَبِعات خطيرة وراء حادثة بحر عُمان

حادثٌ أمنيٌّ خطيرٌ على كافة المستويات، داهمَ منطقة الخليج العربي برمّتها، وحلفاءها من الدول الإقليمية، فجر الخميس، إذ تعرضت ناقلتا نفط في خليج عُمان قرب سواحل إيران إلى هجومٍ هو الأول من نوعه منذ سنوات. ولم تُعرَف بعد كل حيثيات هذا الهجوم الذي أدى إلى اشتعال النيران في واحدة من الناقلتين، وإصابات طفيقة لبعض أفراد طاقم السفينة. وقالت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، إن السفينة التي شب فيها الحريق تم تحميلها بالنفط من أبو ظبي قبل الانطلاق في البحر، وفق بيانات أولية، فيما ذكرت رويترز أن ناقلة النفط الثانية "كاريدجس" كانت في طريقها من الجبيل بالسعودية لسنغافورة مُحمّلة بشحنة ميثانول. وما تزال غرف التحليل حتى اللحظة مشغولة وبإعياءٍ كبير عن الدوافع التي تقف خلف هذا الحادث، والنتائج التي يمكن أن يسفر عنها.

ماذا عن موقف إيران وعُمان القريبتين جغرافياً من مكان الحادث؟

عُمان كانت من الدول التي التزمت الصمت بعد هذا الحادث، ولم تُصدِر أي بيان رسمي في الساعات الأولى من وقوع هذا الحادث؛ لأنها تريد أن تعطي الحادث مزيداً من الوقت حتى تتكشف الملابسات، لا سيما أن هذا الحادث لا يمس دول الخليج العربي فحسب، بل يطال أيضاً دولاً إقليمية كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وروسيا، ولذلك ذكر بعض المراقبين المتابعين لهذا الحادث أنّ ما حدث فجر الخميس في خليج عُمان قد يفسح المجال، وعلى مصراعيه، أمام تصريحات سابقة كان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قد أدلى بها، عندما طالبَ بتسليح الحليف السعودي والإماراتي بأحدث أنواع الأسلحة لمواجهة الخطر المحدق بمنطقة الخليج التي تحوي قواعد عسكرية أمريكية، ومصالح تهمّ الدول الكبرى..

أمّا إيران، فقد تابعت مجريات الأحداث هناك لحظةً بلحظة، وبحذرٍ شديد، وكانت تترقب صدور البيانات المتلاحقة من الإدارة الأمريكية، لترى ما إذا كانت أصابع الاتهام ستوجّه لها أم لا، وقد سارعت إلى إنقاذ عدد من أفراد الطواقم التي كانت موجودة على متن هاتين الناقلتين، محاولةً تخفيف درجة التوتر في المنطقة، إذ أصدرت الخارجية الإيرانية بياناً رسمياً عبّرت فيه عن قلق إيران الشديد جداً إزاء هذا الهجوم الذي يأتي في ظروف حساسة للغاية، تستمد حساسيتها من وجود رئيس الوزراء الياباني في طهران حاليّاً، لِلَعب دور الوساطة بين إيران والولايات المتحدة وتجنيب المنطقة تبعات المغامرة العسكرية، وقد عبّر كثيرٌ من السياسيين والمحللين العسكريين الإيرانيين بأنّ إيران لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة وتستهدف ناقلتي النفط؛ لأنها عبّرت منذ البداية عن رفضها للحرب، وللسجال والمشادات في التصريحات بين مسؤولي البلدين، وأن إيران تدرك جيداً خطورة الحرب في هذا التوقيت، ولهذا فهي ترفضها وتغلق الباب أمام كل الاستفزازات العسكرية التي يمكن أن تؤدي إلى الحرب في منطقة الخليج العربي..

كيف يبدو موقف الإدارة الأمريكية من هذا الهجوم؟

الموقف الأمريكي حتى هذه اللحظة يُوصَف بالحذر إلى حَدٍّ بعيد، إذ ذكر الأسطول الأمريكي الخامس أنّ قواته تلقت نداءات استغاثة، وبالتالي قامت بالدور المطلوب، ووصف الهجوم بأنه عمل تخريبي، في إشارة واضحة إلى إيران ربما؛ بأن الولايات المتحدة تتعامل مع الحادث على محمل الجد، وسوف تتابع التحقيق فيه ولن تتوانى في الرد في حال أسفرت التحقيقات عن نتائج ما. أما إيران، فقد حاولت إرسال إشارات بطريقةٍ ما؛ بأنّ إيران بريئة من هذه الاتهامات، وبأن هناك طرفاً خفيّاً يحاول نسف كل الجهود التي تبذلها دول كبرى لاحتواء التوتر في منطقة الخليج، لا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط بعد هذا الحادث، وبالتالي فإن النتائج السلبية لهذا الحادث بدأت تظهر للعلن. وقد يكون هناك ربط بين هذا الحادث وحادث الفجيرة القريب جداً من ناحية الزمن، حيث أشارت أصابع الاتهام آنذاك إلى طهران أيضاً، وربما تكون طهران في دائرة الاتهام مرة أخرى..

كيف تعاملت دول الخليج العربي مع هذا الحادث؟

موقف الدول الخليجية العربية يمكن تصنيفه في مَنحيَين اثنين، المنحى الأول يتجه نحو التصعيد وتحميل إيران مسؤولية النتائج الخطيرة لهذا الحادث؛ إذا ما غرقت الحمولة المحمّلة بالمواد الكيميائية التي كانت على متن إحدى الناقلات المستهدفة، الأمر الذي سوف يتسبب بإحداث تلوّث خطير يطال المنطقة بأكملها.

أمّا المنحى الثاني فهو يتجه نحو التهدئة والتحلي بالحكمة؛ لأن المنطقة فيها الكثير من التوتر ولا تحتمل المزيد، إذ إنّ الأزمة الخليجية بين قطر من جهة، والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى، سوف تلقي بظلالها على هذا الحادث دون أدنى شك، لكن السؤال المطروح والمترقَّب هو: كيف ستتعامل دول الحصار مع هذه الأزمة؟ وهل ستدفع نحو التصعيد بعد التقارب القطري الإيراني الأخير الذي أزعج السعودية كثيراً؟!

هذا ما ننتظره في الأوقات القليلة القادمة.